"اصبحت لا اقيم للتاريخ وزنا،ولا احسب له حسابا؛لاني رايته بيت الكذب ومناخ الضلال،اذا نظرت فيه كنت كاني منه في كتبان من رمال الاباطيل قد تغلغلت في ذرات دقيقة من شذور الحقيقة"

-صراحة- تمنيت لو كنت صاحب هذه الكلمات؛لكن واقع الحال يقول انها للشاعر والفيلسوف العراقي الكبير معروف الرصافي. الذي تناول احد اكثر المواضيع حساسية واهمية .فقدمها في حلة ادبية انيقة مازجت بين جزالة اللفظ وحصافة المعنى.

في حقيقة الامر قد يبدوا من الوهلة الاولى لدى القارىء ان معروف الروصافي قد بالغ نوعا ما في قدح التاريخ ووسمه بهذه النعوت المقيتة .لكن الحقيقة المرة التي لا يستسيغها البعض هي ان التاريخ كان ولا زال مرتعا للاراجيف ومنجما للتلفيق والفدلكة، التي تناسلت على صياغتها ثلة من الانظمة السياسية المارقة،قصد تلميع صورتها المقرفة للاجيال اللاحقة.

نعم،فالتاريخ للاسف كتب بحبر قلم مغشوش، زور وغير وتلاعب بالاحداث كيفما شاء،فحمل معه اوزار اقوام صدقت وامنت بهذه الاحداث دون ادراك ولا روية.

ان اغلب ما وصلنا من التاريخ عبارة عن تسجيلات حدثية تفتقد لادنى شروط الموضوعية والمعقولية؛مما يدفعنا نحو التساؤل حول اذا ما كان التاريخ فعلا علم موضوعي؟

للاجابة عن هذا السؤال لابد لنا ان نستحضر في اذهاننا ان الفلاسفة والمفكرين انقسموا في اجابتهم على هذا الطرح الى تيارين بارزين:

1- التيار الاول: نفى بشكل حتمي الموضوعية بمجال التاريخ، وتحجج بنسبية علم التاريخ .

2-التيار الثاني :دافع بشراسة عن احتمالية الموضوعية بمجال التاريخ، واعطى لهذا الراي ادلة وقراءن تثبت صحة هذا الزعم.

ولكي تستبين بين ايدينا معاقد التمييز يمكننا القول ان كتابة التاريخ تستلزم تحري الدقة والمضوعية وممارسة الحياد،اضافة الى ضرورة التجرد الكلي من نزعة الذاتية ومن شباك الايديولوجية. فكاتب التاريخ لابد له ان يخضع هذا التاريخ لمقياس نقدي عميق مبني على اسس ودعامات علمية رزينة، وعلى مقومات حيادية قويمة؛وهو الامر الذي لم تعرف اقلام المؤرخين له من سبيل.

في الغالب الاعم نجد التاريخ يخضع لكتابة وإملاءات الدول المنتصرة، فتقدم تأويلات وروايات تتماشى كليا مع متطلبات منطق القوي، هذه المتطلبات لا تبقى معلقة في جدران المتاحف ولا على صفحات الموسوعات، بل يتم رسكلتها وإعادة توظيفها وإدماجها في طيف واسع من إدراك الافراد* .ففيتم سكبها سكبا في امواج عاتية من الدجل والاحتيال الذي يرافق هذا المجال .

اذا كانت الاحداث الراهنة والمعاصرة يتم التلاعب بها كيفما شاء،فكيف بالاحداث الغابرة و الماضية التي عششت في صفحات كتب كتبت لاغراض سياسية بحثة .لذا وجب علينا قراءة هذا الموروث قراءة نقدية امعانية عميقة ، قصد معرفة الحقيقة التي لاجفاء فيها.