سكب المطهر على الجرح بسخاء ، غطاه بعناية ، ولف عليه شاشاً أبيض يحميه ..

ناوله المريض أجرته ، قَبِلها على استحياء ، اعتذر له المريض بأنها لاتكافئ عمله الإنساني النبيل ، وما تَكّلَف من جهد ووقت وثمن مواد ، ابتسم ولاحت على وجهه صباحة ملك من ملائكة الرحمة ، وقال له : هون عليك يا رجل ، لا يكلفني ضماد جرح شيئاً مذكوراً !

أوقف حياته لمهنته، كانت يداه ضماداً لكل جرح ، وابتسامته تعويذة لا تخيب ، وكلماته سحراً يشفي ...حتى حل ذلك الصيف الملتهب ، لم يبق جدار ليس عليه دم ، لم تبق نفس ليس بها جرح ...

رن هاتفه : لدينا مصاب ، وجرح ينزف .

لم يتردد ، حذرته زوجته ، كانت البلدة هائجة مائجة .

- أين تذهب ؟

-لا تخافي ليس إلا ضماداً لجرح وأعود !

تدبر أمره ، تجنب مواقع القصف ، اتبع دربا قل من يسلكها ، سمع نباح كلاب مسعورة ، مضى في طريقه الموحشة حتى وصل إلى المصاب ، سكب المطهر على الجرح بسخاء ، غطاه بعناية، ولفه بشاش أبيض يحميه ، وقفل راجعاً ، حمد الله على السلامة ، واطمأنت زوجته .

قبيل غروب اليوم التالي ، عندما كانت الشمس ترسل آخر خيوطها الحمراء عبر الأفق البعيد جاء من يطلبه ، أسرع ليحمل حقيبة الضماد ، قيل له : لاحاجة إليها ! ذهب مع طالبيه ، ولم يعد ..

بقي إلى اليوم جرح عائلته ومحبيه ينزف ...