فتح الصنبور و جعل الماء ينسل بين يديه، يتهيأ للوضوء و الذهاب لمسجد الحارة الذي يبعد مترات قليله عن بيتنا.. ذاك هو ابي، وانا الصغيرة التي لم أُكمل الثانيه عشر من عمري بعد، لم يحدثنا اليوم كان صامتاً، فهو صموت و وديع، الوداعه.. الوداعه، فأبي له ملامح وديعه، و طريقته في الحديث وديعه، وحينما يمشي له مشيه وديعه، لطالما تعلقت به اكثر بسب وداعته، وقلت للجميع ان ابي له روحا من الجنه، ان ابي ملاكاً بشريا، ورغم انهم ينظرون لي بإستغراب الا انني لا آبه لرأيهم فيه، لكن هناك امر يثقله اعلم هذا حين يصمت، انني اُراقبه حين يكون في حالة صمت، اعرف ان لديه شيئا ما يثقله واعلم انه لن يقول لي مالذي يحدث معه، فانأ صغيره حتى الان للحديث معي عن أمور الكبار، أمور الشارع العام ، أمور السياسه و الدين و الحياة، دوري في هذا العمر ان العب، و اكمل دروسي، و احفظ الأجزاء المتبقيه لي هذا العام من القران، لكنني غير مصرح لي بالحوار معهم حيال تلك الأحداث و رائي لا يتعد به، و سأكون متطفلة ان أبديت رائي دون يطلب احد مني ذلك، لااعلم
لما لا يعتدون بالصغار؟
ولا اعلم لما لأكون كباقي الفتيات، اهتمامي لا ينصب الا على اللعب و متابعة المشاهير و النوم و السهر و التمرد على المدرسه، انا لا اشبهن الا في التمرد على المدرسه، فمدرستنا ليس لها نظام محدد، تسير الأمور فيها بنظام بدائي، والمعلمات هناك لا يهتمن بالتعليم ولا بالتربيه، يبدؤ عليهن الغضب طوال اليوم وكأنهن تشاجرن مع أزواجهن في الصباح، او ربما إنهن لا يحبنّ التعليم، فقط يردن المال، لا لا هناك معلمة اللغه العربيه هي الوحيدة التي تبعث فيّ الأمل رغم قسوتها أحياناً، الا انها انيقه و تتحدث معنا بالفصحى طول الوقت وتقدم دورساً جيده يبدو انها استعدت لها في الليل السابق.
اما عن باقي الحصص الدراسية فنقضيها بالملل والانتظار، متى ينتهي يومنا الدراسي لنعود للبيت،
قبل العودة الى البيت، يكون هناك حصة فراغ أحياناً نقضيها في الساحة وهي متنفس لنا أحياناً في اللعب و الأحاديث عن العالم الذي لم نخضه بعد، و أحياناً تبعث هذه الحصص السأم فقط، وفِي الصيف لا يمكننا الاحتمال فالصيف لاهب ويصافح الارض بحرارة ويبدو انه يعشق الإسمنت.
أمي ليست في البيت هي و أختي الصغيرة لقد ذهبت لجدتي منذ يومين لحضور زفاف ابنة خالتي في بلدتنا، لم ارغب بحضور الزفاف لأنني لا اعرف احد هناك ولا يمكنني الرقص وحيده فأنا لا أحب ذلك، بالمناسبه؛ لماذا تنطفئ الفتيات بعد الزواج بفتره؟ لماذا يبدئن و كأنهن اكبر سناً؟
حتما لأنهن يتوقفن عن بناء الأحلام.
ههه، وما شأني بإحاديث الكبار هذه؟
يبدو انني أحلق في سماء اخرى.
سيعود أبي بعد قليل من المسجد، سأعد له القهوة و سأخلق معه احاديث كثيره، ربما يخبرني بما الذي يثقله فأنا لا احب صمته.. لا احبه أبدا .