في غضون تلك المبادرات لإجراء حوارات بين الفرقاء السياسيين في ملتقى جامع، وفي خطوات جوهرية من تشكيل حكومة وحدة وطنية وتوحيد المؤسسات الليبية، أو في تسليم السلطة الليبية الى المجلس الأعلى للقضاء خلال شهرين.
تعمل الأمم المتحدة على إرساء المفهوم الأممي بأن الاتفاق الصخيرات المغربية هو الإطار الأساسي والشرعي الذي يجب الالتفاف حوله والالتزام به للخروج من الانعزال السياسي في ممارسة العمل الجدي الذي يدي الى الوحدة الشاملة في الدولة الليبية.
وبدل من الانتقادات المجتزأة في التوصل الى حلول سياسية سلمية من هنا وهناك ومن دول عربية خارجية وأممية ، آن الأوان لكي نتعرف بمشكلتنا الحقيقية ونبحث سويا عن حلول وطنية ترضي الجميع، لا يعدم فيها الاتفاقات جزاء وان يجمع النصيب والقطع المتفرقة في اتفاق واحد الذي يعمل على عودة الوطن وكيانه السياسي على رقة أرضية والوحدة دون الجو الى تقسيم ليبيا الى ثلاث دويلات .
من بين هذا وذالك ينطلق الممثل الخاص للامين العالم في ليبيا غسان سلامة أمام مجلس الأمن ويطلق تحركا جديدا وأخيرا لإقناع أطراف النزاع الليبي بالانضمام الى اتفاق الصخيرات المغربية لعام 2015 ومن طرح إجراءات أخيرة للتعديلات.
الواقع الليبي واقع مزري لا يريد احد في ليبيا أن يعمل على تحريكه الى الأفضل والأحسن ، فيجعل من البعثة الأممية اتخاذ خطوات أخرى تعمل على إمكانية الوصول الى حل سياسي يحظى بتوافق مرة أخرى من الأطراف الليبية المتنازعة.
الذهاب الى الانتخابات الحرة النزيهة قد تنهي حالة الفوضى مؤقتا ولكن لا ينهي الصراع السياسي بين الأقطاب السياسية في المجتمع الليبي بجه عام بل يزيد من وتيرة تحركات البعض الى عدم المشاركة الفعلية في السلطة وخلق نوع من عدم التوازنات السياسية في الداخل .
من اجل تقريب وجهات النظر بين الشرق والغرب، السعي بالأساس الى توحيد مؤسسات الدولة الليبية في كيان واحد يخدم الأمة الليبية، هذه هي الحقيقة التي يجب على ا ساسها أن تكون محطة انطلاق أنظارنا المستقبلية ليكون الحل من حلول التي تتبادر فيها انفراج الأزمة الليبية.
ينتقد البعض منا هذه الأيام استغلال الوضع التي عليها اليوم ليبيا للازمة الراهنة، ليرمي بظلال الأزمة الليبية على الثورة الشعبية المباركة، ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة التي حررت وأعتقت الشعب من القيود المكبلة، ليصبح الفرد الليبي حرا في اختياراته وقراراته الشعبية.
أننا في دولة ليبيا بمفهومها الحقيقي الذي ترتكز عليها الديمقراطية وسيادة القانون لتصبح فيها مبدأ المواطنة الليبية هو الصائب في تعاملاتنا السياسية ويكون الاتفاق على هذا النهج المتفائل.
ولكن أننا اليوم ليس في دولة بمفهومها الصحيح نتيجة الفوضى العارمة، وهذا الذي ذكرته على مفهوم الديمقراطية والمواطنة الليبية في عدد من الكتابات السابقة، لصبح فيه القانون الليبي هو المبدأ الأساسي في تعاملاتنا مع بعض، ولهذا نحن اليوم أصبحنا في تكوين وحوزة "كونفدرالية المليشيات المسلحة" وهي واسعة النطاق لا تحمل شعارات دولة المواطنة الليبية لأننا لم نعبر ولم نتقل بعد الى مفهوم دولة المواطنة الليبية تاركين فكرة المليشيات المسلحة واسترجاع الجيش الوطني الليبي الرسمي.
هذه الكونفدرالية المسلحة الليبية يتعاقب السير على نهجها منذ انبلاج ثورة السابع عشر من فبراير مع أشخاص ذو خلفيات جهادية مسلحة، لا يفقهون الاستقرار السياسي و لا الأمني بل يتقاسمون السلطة فيها بالنفوذ والثروة والمناصب مع آمرا الحرب القتالية التي هي المعبر الحقيقي عن الضمير الجمعي المتحكم في السلطة والثروة في هذه الأقاليم من الدولة الليبية.
التفاوت في مقدار استفادة كل درع أو جبهة أو كتيبة مسلحة منهما بحسب الزمن والظروف، بينما كانت تعبر عن الضمير الجهادي الجمعي الساخط على السلطة التي كانت عليها ليبيا قبل الثورة الشعبية الليبية.
إذا نادر ما تعارض الجماعات المسلحة الليبية تسليم السلاح، قبل ما يستيقظ المجتمع الليبي بالشعور بالخطر الذي يحدق به مع تطور السنين على هذه الوضعية المسلحة ومدفوعا بإحساس حقيقي في أن لا امن له إلا بوجود الجيش الوطني الليبي والشرطة وامن الدولة الليبية من قيل الأجهزة الأمنية الليبية التي فقدت مستقيتها في العمل المناط بها بعد الثورة المجيدة.
إن حقيقة المفترضة بالغبن لدى الكثيرين من ساسة الدولة الليبية التي لا تحظى بما تعتبره تمثيلا متناسبا على مستوى السلطة والثروة مع الجماعات المسلحة الليبية التي تكونت في مجتمعنا الليبي بمفهوم الجديد الذي يمثل ما أسميته "كونفدرالية المليشيات المسلحة" على ارض الواقع.
يجب أن لا يأخذ هذا الشعور بالغبن في التنامي والمدد حتى لا يصير مرتبا ملموسا ومناط للبلاد من الاتجاه الى المستقبل الموعود للجيل الصاعد من أبناء الوطن الليبي.
أن تصبح المواجهة السياسية في ليبيا منحصرة بين الطرفين المليشيات المسلحة والصراع السياسي من جهة والأمم المتحدة من جهة ثانية.
أما الأحزاب السياسية فقد بدأت تتلاشى كتعبير حقيقي عن الضمير الجمعي للمواطن الليبي رغم نضالها المستميت وغير المسبوق طيلة الأعوام الماضية لفرض الديمقراطية حقيقة قائمة على مطالب سياسية تركز على المناوب ومبدأ المواطنة دون جدوى.
لا يكمن أن تتحول الأحزاب السياسية الى وعاء للتعبير فقط بدون التطبيق الفعلي لبرامجهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي هي مطلب من عموم الشعب الليبي في صراعاتها في ما بينها بصورة سلمية غبر الآليات الديمقراطية في أحسن الأحول والتحصل على المناصب الانتخابية والوظائف لإخراج ليبيا من الأزمات التي توجها يوميا.
إنها الحصيلة التي استلمتها ثورة الشعب الليبي، ثورة فبراير المجيدة في السير نحو الاتجاهات السليمة والتنموية والإصلاحية التي أصبحت داهمة أكثر من أي وقت مضى على كيان بلدنا ليبيا، ولا أننا بصدد تغيرات جوهرية تعمل على المساعدة الى اللحمة الوطنية.
الحركة اليوم حركة تقدم وترك الماضية في صفحات التاريخ الليبي، مجتزأ لهذه المشكلة الصامتة الخطيرة التي لا حل لها إلا إقامة دولة القانون بالدستور الشرعي لدولة الليبية والانتخابات العادلة والنزيهة والشريفة لجميع مع الجميع بالجميع على أساس مبدأ المواطنة وليس على مبدأ الإقصاء والتفرقة في أسرع وقت قبل فوات الأوان ...!
بقلم الأستاذ رمزي حليم مفراكس