لطالما قلّبت النظر في هذه الآية لعلِّي أهتدي إلى تفسير يطمئن النفس، ولا غرو في ذلك، فقد توقّف في تفسيره ابن جنّي أحد أقطاب اللغة، حيث قال في كتابه الخصائص:

"باب القول على أصل اللغة إلهام هي أم اصطلاح:

هذا موضع محوج إلى فضل تأمل غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي "وتوقيف ". إلا أن أبا علي رحمه الله قال لي يومًا: هي من عند الله واحتج بقوله سبحانه: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} وهذا لا يتناول موضع الخلاف. وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله: أقدر آدم على أن واضع عليها وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة. فإذا كان ذلك محتملًا غير مستنكر سقط الاستدلال به. وقد كان أبو علي رحمه الله أيضًا قال به في بعض كلامه. وهذا أيضًا رأي أبي الحسن.

على أنه لم يمنع قول من قال: إنها تواضع منه . على أنه قد فسر هذا بأن قيل: إن الله سبحانه علم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات: العربية والفارسية والسريانية والعبرية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها لبعد عهدهم بها.

وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقيه باعتقاده والانطواء على القول به."

فجمهور المفسرين على أن الله عز وجل علّم آدم أسماء جميع المخلوقات، لكن مع القراءات الحداثية وضع مختلف، فقد قال محمد شحرور:

"الاسم: لقد جاء الاسم من أحد فعلين في اللسان العربي:

1 – من فعل “وسم” وهذا الفعل أصل واحد يدل على أثر ومعلم، ووسمت الشيء وسماً: أثرت فيه بسمة، والوسمي أول المطر لأنه يسم الأرض بالنبات. وسمي موسم الحج موسماً لأنه معلم يجتمع إليه الناس. وقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} (الحجر 75). أي الناظرين في السمات الدالة.

2 – من فعل “سمو”: السين والميم والواو أصل يدل على العلو. يقال سموت إذا علوت، وسما بعده علا، وسما لي شخص: ارتفع حتى استثبتَّه، وسماوة كل شيء شخصه، والجمع سماء وسماو. والعرب تسمي السحاب سماء، والمطر سماء. والسماءة: الشخص. والسماء سقف البيت. وكل عالٍ مطلٍ سماء. حتى يقال لظهر الفرس سماء.

ويقال إن أصل “اسم” سمو وهو من العلو لأنه تنويه ودلالة على المعنى.

لنناقش الآن: هل الاسم مشتق من “وسم” أم من “سمو”. فإذا كان الاسم من “سمو” فهو العلو والارتفاع. أي أن الاسم يعلو صاحبه ولو كان هذا الكلام صحيحاً لعرفنا اسم كل شيء دون أن يخبرنا عنه أحد لأنه يعلوه وهذا يخالف الواقع الموضوعي. أما إذا كان الاسم من “وسم” فهو سمة لصاحبه، أي شيء يميزه عن غيره. ونحن نسمي الأشياء لنميزها عن بعضها أي لنعطيها سمات مميزة. ولكل شيء سمة خاصة به، فنقول “تفاح جميل” فالتفاح اسم لثمرة أطلقنا عليها هذا الاسم لنميزها عن بقية الثمار، وجميل أيضاً اسم وهو سمة “صفة” مميزة للموصوف وهو التفاح.

وقد قال “الفراء” واضع أسس المدرسة الكوفية إن أصل الاسم من وسم وليس من سمو. حتى أن ابن فارس وضعها بصيغة غير مؤكدة في “سمو” “يقال بأن أصل اسم من سمو”.

فإذا أخذنا بالرأي القائل إن أصل الاسم من “وسم” فيتضح لنا معانٍ واقعية لآيات في الكتاب ذكر فيها لفظة “الاسم”.

إلى أن قال:

"أما قوله “الأسماء” فهي من فعل وسم وهي السمات المميزة للأشياء المشخصة، والسمات الأساسية المميزة للأشياء المشخصة هي الصوت والصورة. وقد بدأ بملاحظة الذي يصدر صوتاً ويتحرك “معاً” “الحيوانات” قبل ملاحظة الذي يصدر صوتاً بدون ملاحظة الحركة “الشجرة” لذا قال: {كلها} أي السمات الصوتية المميزة لكل الأشياء المشخصة الموجودة حوله."

المصدر:

http://shahrour.org/?p=1375

وفي لقاء حواري مع طه عبدالرحمن في برنامج "مسارات"، معرض حديثه عن أن "القيم هي معانٍ داخلية يشعر بها كل شخص كيفما كان، لا يحتاج أن يصل عقله إلى رتبة لكي يُحصّل هذا الشعور...(إلى أن قال) فهذه المعاني التي استودعت فطرة الإنسان، والتي يتعامل بها في سلوكه اليومي نزلت بها الأديان بها الأديان السماوية التي أتت على وفق الفطرة؛ فالأديان لم تنزل بالأعداد أو غيرها من المُجرَّدات، وإنما نزلت بالقيم كمشخّصات؛ وبهذا الصدد، أذكر اجتهادا لي في تفسير الآية الكريمة: (وعلم آدم الأسماء كلها)، فلفظ "الاسم" يُحمل على معنيين اثنين، فقد يُشتق من لفظ "السمة"، فيكون بمعنى "علامة مميزة"؛ وقد يُشتق من لفظ "السمو"، فيكون بمعنى قيمة "مميزة"؛ فمثلا، حينما أنادي شخصا ما: "يا عبدالله!"، فليس مقصودي من ذلك تمييزه من غيره بقدر ما يكون أن يحقق هذا الشخص مثالا أعلى هو معنى "العبودية لله"؛ وهكذا، فالأسماء التي نحملها هي بمثابة قيم مخصوصة نجتهد في تحقيقها في سلوكنا؛ وعندئذ، يجوز أن نقول بأن الآية المذكورة، أي (وعلم آدم الأسماء كلها)، تعني علّم آدم القيم التي فطر الإنسان عليها وجعله يبني عليها أعماله وتصرفاته في الحياة الدنيا".

وَمِمَّا يؤيد هذا القول، إلماحة ابن عاشور في تفسيره للأية:

"والأسماء جمع اسم وهو في اللغة لفظ يدل على معنى يفهمه ذهن السامع فيختص بالألفاظ سواء كان مدلولها ذاتا وهو الأصل الأول ، أو صفة أو فعلا فيما طرأ على البشر الاحتياج إليه في استعانة بعضهم ببعض ، فحصل من ذلك ألفاظ مفردة أو مركبة وذلك هو معنى الاسم عرفا إذ لم يقع نقل . فما قيل إن الاسم يطلق على ما يدل على الشيء سواء كان لفظه أو صفته أو فعله توهم في اللغة . ولعلهم تطوحوا به إلى أن اشتقاقه من السمة وهي العلامة ، وذلك على تسليمه لا يقتضي أن يبقى مساويا لأصل اشتقاقه .

وقد قيل : هو مشتق من السمو لأنه لما دل على الذات فقد أبرزها .

وقيل : مشتق من الوسم لأنه سمة على المدلول . والأظهر أنه مشتق من السمو وأن وزنه سمو بكسر السين وسكون الميم لأنهم جمعوه على أسماء ولولا أن أصله سمو لما كان وجه لزيادة الهمزة في آخره فإنها مبدلة عن الواو في الطرف إثر ألف زائدة ولكانوا جمعوه على أوسام . "