"نحن الآن في طريقنا الطويل إلى المنزل ، يقود أبي سيارته بتهوّر بينما تبنههُ أمي بين الدقيقة والأخرى : لاتسرع ،

أمي كثيرة الهلع من السيارات والشوارع ..

اجلس أنا في المقعد الخلفي أقلّب كتاب " عداء الطائرة الورقية " وأحاول أن أرسم صورةً لأفغانستان في مخيّلتي ، من السهل جداً أن اتخيل أمريكا ابتداءً من مساحاتها الشاسعة ومروراً بجسر بروكلين وبوالت ديزني في اورلاندو وانتهاءً بألذ وجبة "برجر " سوف آكلها هناك .

ايضاً استطيع أن أتخيل ايطاليا ، بشوارعها التاريخية التي اظنها سبباً في إلهام دا فينشي ، بمبانيها الكبيرة ، بردهة مقاهيها المكتظة بالناس ، وبرائحة البيتزا المحشوة بالجبن.

كما أني استطيع تصور جمال النساء الفرنسيات ، بفساتينهم التي صممتها لهم كوكو شانيل وبقبعاتهم الزاهية ، ولن ينسى خيالي ايضاً أن يضيف للصورة رائحة عطرٍ مثيرة واحياناً اتخيل بأن زيد الدين زيدان يؤدي تمارين كرة القدم أمام برج ايڤل . 

ولكنٍ لسبب لا أعرفه لم استطع أن اتخيل أفغانستان ، لم استطع أن اتخيل رائحة الدم ولا المجازر الجماعية ولا الشوارع الضيّقة المليئة بقوات الأحتلال ، حتى التلّة التي كان يلعب فيها حسن وأمير لم أقدر على تصوّرها ، ولا حتى تخيّل كيف يقومون بمسابقة الطائرات الورقية تلك

أخاف من أن يكون السبب هو أننا بشكلٍ أو بآخر لا نريد تخيّل الأماكن التي تحمل رائحة الموت سواءً كان موتاً بدبابةٍ حربية أو بجوعٍ مستمر يقتل معهُ العشرات من الأطفال ، أخاف أن أكون يوماً ذات خيالٍ أناني ، خيال يأخذني إلى حياة أكثر رفاهية متناسيةً معه فضاعة العالم ..

خيال يجعلني أتخيل سوريا بشكلها القديم ، بمسلسلاتها التي تنعرض على التلفزيون ، بأشجار الياسمين فيها وبلهجة أهلها الرقيقة متناسية تماماً قنابل الغاز المسيلة للدموع ، وطعم الموت ، واعداد الموتى الذين لاحصر لهم ..

وايضاً فلسطين ، لا أتخيل فلسطين إلا بمسجدها الأقصى وأشجار الزيتون فيها ، لم يسبق لي أن أغمضت عيني وتخيلت امرأةً طاعنة في السن تنتحب على أرضها المحتلّة وعمرها المسروق،

ربمااستطعت الآن أن أكتب لكم مشاهد صغيرة من ذاكرتي الضيّقة ولكن لم يسبق لي أن اسهبت في خيالات مؤلمة ، كنت دائماً اتحاشى كل احزان العالم لأهدهد حزني فقط ، لأكتشف في النهاية أنانيتي ، وأن حزني ماهو إلا تراجيديا مُفتعله بالنسبة لأحزان العالم ، لهذا أودّ أن أقدم اعتذاري لحسن ، حسن الطيّب ، ولأمير بربطة عنقهِ التي اردتهُ فقيراً في النهاية ، ولكل مجازر العالم ، أنا آسفة وبشدة ."


نهاية : 

"*, هل شعرتم برغبة تدفعكم لتصوّر الحياة المأساوية في اليمن ؟ هل تمنيتم يوماً أن تقطعوا تذاكر سفركم إلى مكانٍ ما لتكتشفوا فيه فضاعة العالم بدلاً من البحث عن الجمال ؟"

*أثير .