لم يعرف كيف وصلت إلى يديه ، كيف ألقى الكتاب وأخذها ، لا يدري إن كانت منحة تحميه ، أم محنة تورطه ، لم يشترها بماله ، ولم يجدها على قارعة الطريق ، لكنها الآن على كتفه.
عندما صحا من غيبوبته ، وجد نفسه ملقى على الرصيف ،كان الدخان يحجب ضوء الشمس ،ورائحة الموت مطبقة ثقيلة ، وقريبا منه كان جسد صديقه غارقا بدمه ، ودماغه منثورة على إسفلت الشارع ، وبعينيه الزائغتين رأى دبابة تهدر من بعيد ،
التفت وراءه ، كان الآخرون الذين معه قد لاذوا بحائط قريب ،وكانت بندقيته ملقاة بجانبه ، هربت أفكاره من رأسه ، استقر بصره على دماغ صديقه المنثورة ، بادرته أفكار جديدة ، مبعثرة ، حائرة ، غريبة ، لم يعرف من أي دماغ جاءت !....
انتابته الغيبوبة مراراً، قرر أن يرحل بعيداً ، أنزل البندقية عن كتفه ، ولا يعرف الآن ما يصنع بها ، أيبيعها وقد كثر المشترون ؟ معاذ الله ! -رد على هواجسه- أيعطيها لصديق لم يحملها من قبل !؟
أخشى أن أرسم له مصيراً دامياً
-حدث نفسه - أيبقيها ذكرى يزهو بها ؟ أم يدسها في التراب ؟ .
تسلل لواذا في جنح الليل ، تاه في دروب مظلمة معوجة ، الطريق المستقيمة الوحيدة كانت مرصودة ، محفوفة من جانبيها بالذل أوالموت .
وصل إلى ألمانيا لاجئاً مريضاً ، بقي يلح عليه سؤال البندقية ، أجرى له الطبيب الألماني تخطيطا لدماغه وصورة رنين مغناطيسي لم يظهرا شيئا ، رجع إلى مقاعد الدراسة يحمل الكتاب ويفكر ، نظر من النافذة ، كانت الغيوم تحجب ضوء الشمس ، خطف بصره برقٌ هائل، ودوى صوت الرعد ،
عندما صحا من غيبوبته في المستشفى على سرير أبيض ناصع كانت صورة دماغ صديقه المنثورة على الإسفلت لا تزال حية في رأسه ، وبقي يلح عليه سؤال البندقية !