ظن البعض مؤخراً أن الحرب الكلامية والفكرية والعسكرية بين الأقطاب السياسية في غرب البلاد وشرقيها قد لا تندلع بين لحظة وأخرى بتواجد غسان سلامة المبعوث الخاص للأمم المتحدة تمهيدا الى الانتخابات القادمة.
حالة ليبيا السياسية يشوبها الكثير من الجمود، لا يتوقع فيها الكثير من أبناء ليبيا في الوقت الحالي أي تطور قد يفرج على الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية وينقلها من صراعات أكثر تأزما الى حلول جوهرية تعمل على استقرار الأمة الليبية، من مماطلة تبني دستور ليبيا الى العمل به في جميع مؤسسات الدولة الليبية.
أزمات ليبيا تظهر على السطح في كل مرة، ورنها الجميع بأنها قد لا تنتهي بسبب تعنت الساسة الليبية، في مناورات الفرقاء لا تكون إلا سجال بين الأطراف السياسية الليبية لا غالب ولا مغلوب أحيانا مع هذا وأحينا على أولئك ولكن دمارا للوطن هو الحاصل المحصل.
استمرار رفض الاتفاق السياسي ينتهي على مرقاة دستور ليبيا، وينهي معها المرحلة الانتقالية لتدخل البلاد مرحلة استقرار دائم مما يقلل من زيادة تأزم الوضع بين الأطراف السياسية الليبية المتنافسة.
اليوم نفسه الذي غاب فيه الدستور الشرعي، ولأول مرة في تاريخ ليبيا منذ التاسع والأربعون سنة ميلادي، غابت عن ليبيا الأجواء المحمومة التي تتسم بالاستقرار والأمان بين شرائح الأمة الليبية.
لكن السياسية علمتنا أن لا نأخذ أبدا بظاهر الأمور مهما كانت مشتعلة بين الأقطاب السياسية الليبية، فالحقيقة كل الحقيقة يجب على كل مجتمع مهما كان صنفه أو نوعية أن يكون له دستورا مكتوبا أو غير مكتوبا لكن متعارف عليه بين ساسة الأمة.
والفلاسفة الإغريق يخبروننا دائما أن لا نركز على ما يقولونه الساسة بل على ما يفعلون على الأرض، ونحن اليوم نقول ماذا فعلوا ساستنا حتى يومنا هذا دون التصريحات والأقاويل السياسية الرنانة في كل للقاء.
وكيف لنا أن نستجب الى الانتخابات التي أعلنت عليها البعثة الأممية في سبتمبر الماضي وعزم الأطراف الليبية الى انتخابات لإنهاء الصراع والانقسام الحالي، دون وجود دستورا ليبي لتسوية جميع العراقيل السياسية التي تواجه الأقطاب السياسية الليبية من انقسامات جوهرية.
ولكن تصريحات داعية الى البدء في طرح الدستور للاستفتاء عليه على الشعب الليبي، بينما تزداد أصوات الرافضين تتعالى في مجلس النواب لهذا الطرح التاريخي من الأمة الليبية.
قانون للاستفتاء على الدستور هو الطريقة الصحيحة للاستحقاق الى العملية الدستورية الذي يوصلنا الى حسم المعركة الدستورية بقرار تشريعي من مجلس النواب الليبي الكائن في مدينة طبرق شرق البلاد.
لكن تعثر المجلس التشريع من إمكانية وعجز عقد جلساته بطبرق وبسبب الخلاقات المستمرة بين أعضائه، يجعل من الهيئة صياغة الدستور تقوم بوضع الدستور مباشرا على الشعب الليبي للاستفتاء عليه طبقا لموصفات المادة الثانية عشر من الاتفاق السياسي الليبي وأما الجهة المعنية هي المفوضية العليا للانتخابات.
والقول إن الانتخابات الليبية مع وجود دستورا ليبي تعتبر امتيازا وخصية وسمة في أساس النظام الديمقراطي، ولكن حالة الساسة السياسية في ليبيا تتصف بالتعنت لعدم وجود توافق يربط المجتمع الليبي بعض ليعطي الحقوق كاملة للمواطنة الليبية.
وبعبارة أخرى يجب علنا أن نتخلص من الانقسامات المتواجدة في المجتمع الليبي ونسعى الى بناء دولة موحدة متحدة في كلماتها الدستورية الذي يعتبر الغطاء القانوني الذي يحمينا من الصراعات السياسية التي تحمل الدولة الليبية الى الوراء سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
ولو نظرنا الآن لوجدنا ثمرات الاتفاق على الأرض الواقع قليلة جدا، لم تصبح نظرات غالبية افراد الشعب الليبي بعيدة عن انجازاتهم السياسية، وبالتالي فإن كل العداء ينصب على الساسة الليبية وهو اخطر مما نتصور وقوعه ليكون مجرد ضحك على الذقون.
لدينا نزاعات سياسية وعدم تواجد توافق كامل بين الأطراف السياسية المتنازعة على السلطة في الدولة الليبية وذالك بتعدد الأجسام السيادية من مجالس نيابية وحكومات تنفيذية، منها مؤقتة ومنها مصانة ومقبولة من الخارج وليس مرغوبة من الداخل بصفتها الشرعية التي اعتمدت عليها من خارج الوطن.
الديمقراطية لها مفهومها وممارستها في الدستور الوطني الليبي الذي يحشد قدرات الشعب الليبي في الاجتماعات الرسمية لتعمل من اجل الارتقاء بالحياة السياسية التي تخرج الدولة الليبية من المأزق السياسية التي توجهها الأقطاب السياسية المتنازعة.
وإذا نجم الاتفاق السياسي بين الأقطاب السياسية الليبية وهو المطلوب في هذه الفترة العصبية من تاريخ ليبيا المعاصر ليصبح النقاش السياسي الذي جرى في الفترات الماضية بينهم ثمرة وطنية تسجل في صفحات التاريخ الليبي بقوة، وأما إذا فشلوا القادة السياسية من توحيد كلمتهم وتوحيد دولتهم ليصبح مضيعة للوقت ناجم من اختلافات الأقطاب السياسية الليبية.
بقلم الأستاذ رمزي حليم مفراكس