ليست يوما كباقي الأيام ولا جمعة كغيرها، فتاريخها يختلف وأحداثها لا تنسى، وآثارها ستبقى شاخصة في القلوب، التي مازالت تنزف من هول ما حصل، والصدمة التي أريد لها أن تذهب بالعقول، والجريمة التي غيرت مستقبل أمة، وحققت أمنية رجل كان يطلب الشهادة.
هكذا كان قدر السيد محمد باقر الحكيم أن يولد في النجف، وتتناثر دماؤه عند ضريح الإمام علي (عليه السلام )، بعد ربع قرن من الغربة والاغتراب، أمضاها وهو يقارع الظلم والجور والطغيان، وكل أمله أن يرى شعبه محررا، تنعم جميع طوائفه وقومياته بالحرية والرفاهية.
جاء من الغربة حاملا كفنه على راحته، صوب الأمل المنشود الذي كان يطلبه في دعائه، وأخبر أهله قبل ثلاثة أيام من إستشهاده، بأن بقاءه سيكون قليلا وأنه راحل عن هذه الدنيا، وكأن مشروعه أريد له أن يختم بمكافئة كبرى، فكانت مكافأته الشهادة، بجوار من استشهد في محرابه وقت الصلاة، فأستشهد بجواره في وقت الصلاة، وكما كان علي (عليه السلام ) صائما، كان هو صائما أيضا.
صوت هائل هز النجف لم يسمع مثله من قبل، ودخان وتراب يغشي الأبصار، يتبعه صراخ ونواح، ولم تنجلي الغبرة إلا وأجساد مقطعة وأخرى تعلوها الدماء، لا يكاد يسمع لها أنين، وقلوب توقفت عن النبض وعقول هالها ما حدث، فلم تر له مثيلا من قبل، والجميع صار يهرول صوب الأجساد بحثا عن السيد العظيم، الذي أرتفع الى السماء مستبشرا، تاركا لوعة كبرى وقلوبا حرى، ووطن لما ينهض من كبوته بعد.
رحل محمد باقر الحكيم، ومازال يستلهم منه المجاهدون، معاني العز والإباء والفداء والتضحية، فهو إرث تاريخي وجبل شامخ، ومنهج ثوري حاضر في وجدان العراقيين جعل همه الدفاع عن العراق خاصة والمسلمين عامة، وأعطى في سبيل ذلك كل غال ونفيس، من اجل أن تزرع بذرة الخير في هذا الوطن ويرفع الظلم عن أهله، مقارعا شتى صنوف التعذيب والقهر، ومقدما من اجل الحرية أعز ما يملك.
أرتحل الحكيم؛ ولما تستطع الأقلام أن توفيه حقه، أو تكتب عن هذه الشخصية التي أمتد نشاطها لنصف قرن، تميز بالصعوبة وسنين مثخنة بالجهاد والأحداث والتطورات، نذر نفسه للدفاع عن الإسلام والمحرومين، وأفني عمره في خدمة وطنه وأبنائه المظلومين.