الأخلاق كلها فطرة الإنسان، سواءً كانت أخلاقًا حميدةً أو مذمومة! فالإنسان يحب ويكره، يمكن أن يتمنى الخير للناس، ويمكن أيضًا أن يخالجه شيءٌ من حسد.. وكلها من طبيعته. ما يجعلُ الإنسان في غالبه شخصًا نبيلًا أو لئيمًا عوامل كثيرة أولها طبيعته الإنسانية، وثانيها الدين، أو بتعبيرٍ أدق "التديُّن".
رغم تلك الحقيقة، غالبًا ما يستأثر الدين -وهو المصدر الثاني- بالحظ الأوفر من الفضل في الأخلاق الحميدة على مصدرها الأول، كونه يمثل المصدر المفعِّل، بينما تشكِّل الإنسانية مصدر وجودي لا أكثر!
تتمحور غالبية الأديان حول تفعيل الأخلاق النبيلة وترويض المشاعر والأخلاق اللئيمة.. فلنفترض أن مولودًا يقاس خُلُقه الذي فُطِر عليه.. قد يختلف مخزونه الأخلاقي الفطري عن غيره من المواليد لأسباب عدة، لكن تجاربه اللاحقة في الحياة قد تغير ذلك المخزون جذريًا! وهنا يأتي دورُ الإيمان، فقد يتفوق غير المؤمن على المؤمن في الخلق فطريًا/ بيولوجيًا، لكن حين يكون المؤمن مؤمنًا حقًا فعلى هذا الإيمان أن يلعب دوره في الرقي بالفطرة ثنائية الحدين ليبرز حدَّها النبيل. كذلك فإنه من غير المستبعد إطلاقًا أن يصادف غير المؤمن ذو الفطرة الصحيّة أخلاقيًا نكسة أخلاقية بعد تجاربه في الحياة، ولا يعني ذلك أن المؤمن لا يخوض تجارب داعية للانتكاسات الأخلاقية، لكنه مأخوذٌ بيَدِه بإيمانه بقيمة الدنيا وحقيقة الآخرة لترويض هذه الانتكاسات واستعادة القيم الأخلاقية.