فلنتّفق يا صديق...أنّ...

طخْ..طخْ

للقلم رصاصًا

كانتِ الريشةُ قديمًا، وكان الكاتبُ بها يَبذُلُ جُهدًا عضليًّا زيادةً على جُهدِه الفِكريِّ، فكان لابدَّ لهُ مِن غَمسِها عِدَّةَ مرّاتٍ في الحبرِ لمواصلةِ الكتابَة، كانَ حالهُا كحالِ البُندقيَّة التَقليديَّة الصُّنعِ، و بالمقارنةِ مع ما نَشهَدُه -اليومَ- مِن تطوّرٍ في صناعة الأسلحة، ربَّما قدْ لا يزيدُ دور هذه البندقيَّة -حاليًّا- عنِ "الهشّ" و "النشِّ"، فرُبّما يَهُشُّ بها قَاطِنُ الرِّيفِ مدويَّا بها في السّماء لإبعادِ خطرِ خنزيرٍ يُريدُ بمزرعتِهِ الفسَادْ.

قلمُ الحبرِ

و مع تقدُّم الزمن، والتطوّر المشهود في كلِّ مجال، أتى قلَمُ الحِبْرِ -الفكرة كانت عام 1938 لأحد الصّحفيين بباريس-، والذي يحوي عبوَّةً، تزوّد الكاتب بالمِداد، وتُمكِّنُه من الخطّ لمدّة ليست بالقصيرة، مما يُسهِّل عليه الأمرَ كما لم يكن عليه مِن ذي قبلٍ وقد كان ذلك لمدّةٍ قاربتِ الألفَ سنةٍ كاملةً، كما أنّه بالإمكان تعبأة هذه العبوَّة عدَّةَ مرَّاتٍ، تِلكَ العُبوَّةَ التي أشبَهُ ما تكونُ به اليوم، بخزَّان "الخرطوش" أو كما يُصطَلَح عليه أيضا بـ "بيت النّار"  الذي يحملُه المسدَّس، و الذي بدوره شهِدَ تطوُّرًا سريعًا مع مرور الزمّن، و في كل مرحلة كان يزدادُ سِعَةً، ليُخزِّن أكبرَ عددٍ من الطَّلقات، حتى وصَلَ إلى كاتم صوت الطّلقات و الذي يناسبُ حتّى الطلقاتِ الفوق صوتيّة.

مجرّد تساؤل...

إنَّه تطوُّرٌ مَهُول، يبعثُ في القلبِ التخوُّفَ ممَّا هو قادِم، و ممّا يزيدُ الدَّهشةَ والحيرة، هو تساؤُلُنا المبنيِّ على التَّأمُل في حالِ ماضِينا...

كيف سيكون في المستقبلِ يا تُرَى؟

ولأكونَ أدقَّ في إيصالِ وصفِ الدَّهشة والحيرة والتّخوُّف... فأنا أقصِدُ المستقبلَ القريبَ وليس البعيد.

طخْ..طخْ

رصاصُ القلمِ

أمَّا القَلمُ، فكان ولا يزالُ على الفطرَة، فليسَ لرصاصِه صوتٌ مسموعٌ، ومع ذلك، فهو إلى اليوم يحملُ إلى مسامِعِنا أصواتَ من حَمَلَتهُ أيدِيهِم، الخافتُ منها والجهوريِّ، الحادِّ الجارحِ والدّافئ المداوي، للأحياءِ منهم و الأمواتِ.

إنَّه القلمُ يا صاحْ... إنَّ بهِ رصاصًا... إنَّهُ سِلاحْ... إنَّه أداةٌ للكفاحْ... بهِ تُسَطَّرُ شتَّى العُلُوم...يَفنَى أصحابُها وتؤسرَ بهِ كلِماتُهُم فتدُوم.

وها أنا ذا اليومَ... أحمِلُ القَلمَ.. وأُطلِقُ به الطَّلقَةَ الأولى في السَّماء ... لإسكاتِ الغوغاء...وإسكاتِ قلوبِ الجُبناء... سكتةً تُسقِطُهم جُثثًا مِن دونِ عَنَاء.

أقصِدُ منْ هي حالُهُم هكذا دائمًا : قُلوبٌ في الدَّاخلِ ترْتجفْ.. وأضْلاعٌ من شِدَّة الصَّدمة تَختَلِف.. وألْسُنٌ –في وسطِ الحشودِ- كالأعْلامِ تُرَفرِفْ.. من دونِ كلامٍ يُفقَه .. ولا صوتٍ يُسمَع.. كأنَّه "وضعٌ صامتٌ للهاتف".

طلْقَةٌ يُسحَبُ معها اللِّسانْ... وتَفِرُّ "الخِرفَانُ" هارِبةً معَ جُموعِ النِّسْوان...

وتُفرَزُ بها السَّاحة.. فلا يَبقَ إلاَّ من تحدّى رصاص القلم...

ولِمَنْ هَكذا أَرادهَا.. أقولُ عازماً..

أَتتحدَّى طلقةَ إنْذارٍ –عشوائيَّةٍ- -أنتَ- لا تعرِفُ هدفها ولا مرماها؟

طخْ..طخْ

لِما كلُّ هذا؟

جاءتْ هذه الطَّلقةُ، وستتبعُها -بإذنِ اللهِ- طلقاتٌ متتاليَةٌ، لأجلِ فضحِ المُدَّعينَ والمُنْتَسِبينَ زُورًا للكتَابةِ وفنِّها وأهلِها، بعد احتكاكي بالكثير منهُم -صُدفةً-، واستِشعَاري لِمدى تفاقُم الظَّاهرَة في الآونة الأخيرة، ومُحاولةً لتصحيحِ مسارِ بعضِ الصِّغارِ -أقراني- حتَّى لا يتمادَوْا ولا يَغترُّوا، وحتَّى يسلُكوا بعدها الطَّريقَ الصَّحيحَ، لِيصِلُوا به إلى أسْمَى وأرْقَى الأهدافِ والّتي من أجلها -مثلا- وُجِدَ هذا الصَّرحُ الجميلُ البَهِيُّ، ومصبُّها في المُجمَلِ هو نفعُ الغَيْر، وإفادةُ القارئ، لا مجرَّدَ شُهرةٍ -مَقِيتةٍ- مَنشُودةٍ، تُدرَكُ بسرعةٍ، وتزولُ بأسرعَ من ذلك، ولا يكاد يمحوها الزمن مهما سَرُع أو بطُؤَ (1)، يركبُ طالبُها قاربًا مُهترئًا، يريد أن يخوضَ بهِ بحرًا مُتلاطِمَ الأمواجِ، واضعًا قِناعَ الكذبِ على وجهِهِ، ومُرتدِيًا دِرعَ الغِشّ الهَشِّ، متخفِّيًّا خَلفَ شاشة جِهازِه، وما أسهلَ كل ذلك اليومَ، فٍي ظلٍّ توفُّر المعلومَة وغزارَة تدفُّقِها، في عالمٍ افتراضيٍّ مترامِي الأطْرافِ، لا تكادُ تُعلَم مَعالِمهُ ولا تَكادُ تُرسَمُ حُدودُه، وبوسائلَ سهلةٍ يسيرةٍ، فبضغطةِ زرٍّ على فأرةٍ ليستْ ككلِّ الفِئرانِ، يُصبحُ للنَّكرَة المَغمُورِ لقبُ "الكاتب فلان"، -طبعًا- بجُهدِ غيرهِ لا بِجُهدِه، بِمكرِهِ، بِخلقٍ دنيئٍ قدْ عشَّش بقَلْبِه.

طخْ..طخْ

لُصوصٌ كُثُرٌ، يَدَّعون أنَّهم مُبدعُون، يَنْسِخُون -فتنسلخُ منهُم مكارِمُ الأخلاقِ-،  ويُلصِقُونَ -فلا تَلصِقُ بأنفُسِهم سِوَى تُهَمٌ وشُبهاتٌ تُنتَقَصُ بها  كرَامتُهُم ومُروءَتُهم، وقد تعصِفُ بهم كمَا فعلَت بمنْ سَبقَهُم -لو كانوا يعقلون-، لوْ لمْ يتدارَكوا أنفسَهُم بمراجعةٍ وحُسنِ تفكيرٍ وإعادةِ نظرٍ، وتصفيةٍ للقلوبِ، لمنْ كان قدِ اعتَبَرْ، بمن سقطَ قبلَه في ظلامِ تلكَ الحُفَرْ، فاحتُقِرَ وخَسِرْ،  والقناعةِ والرِّضا بما وهبَهُمُ الخالقُ -سبحانه وتعالى- منْ هِباتٍ وقُدراتٍ ومَهاراتٍ ونعمٍ كُثُرْ، ربَّما كانت في مجالاتٍ أُخَرْ...بعيدًا عن رصاصِ القلم.

أقول ...

هي سلسلةٌ  لا تُعنَى بكبارِ اللُّصوصِ -إن صحَّ القول-، فؤلئك سَقَطَاتُهُم وفضائِحُهُم مَا إنْ تَطفُوا إلى السَّطح، أظُنُّ أنَّ مُجرَّدَ ذِكرِها في عنوانٍ مُقتَضَبٍ كافٍ، ولا يحتاج أمرُهم إلى إِطالةٍ في الحديثِ، والتَّحلِيل والنِّقاشِ الحثيثِ، كما هو الحالُ مع من هوَ دونَ تِلكُمُ المراتِب، بلْ هي موجَّهةٌ للبرَاعِم الفَتيَّة -أقْرانِي- حتّى نَتَفادى هذا كلَّه، ولا يضيعَ الجُهدُ فيما لا ينفعْ، بل نَنْشغِلُ بمَا نقدرُ عليه حقًّا فنُبدِعْ، ونطوّر من قُدُراتِنا فيه، ونرْقَى بهِ وننْفَعَ غيرَنَا ونحفَظَ بهِ كرامَتَنا.

--------------------

يُتبع..

فخزّان الطَّلقات لم يَنفَذ بعدُ..

طخْ..طخْ

--------------------

(1) أقصد بها، عيب طلب الشهرة والسعي لها سعيا.