رحيم الخالدي
تأمّلنا خيراً بعد سقوط النظام السابق، وقدوم سماحة السيد محمد باقر الحكيم(قدس) للعراق، وكانت الإنطلاقة من البصرة، التي إندلعت منها الشرارة الأولى أيام الإنتفاضة الشعبانية عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين، وكانت محطته الأولى بعد إنطلاقه من البصرة ومروره بالمحافظات الجنوبية النجف الأشرف، التي إتخذها محطة لتكون قريبة من المرجعية، ويكون تحت إمرتهم كما أطرقها بكلمته المدوية، التي منها انطلقت خطط الأيدي الخبيثة، تبغي القضاء عليه بأي شكل من الأشكال لأنه يشكل خطراً كبيراً عليها، وعلى تواجدها الذي ذقنا مرارته في صنع الارهاب، وإنطلاقته الأولى وعلى مستوى العراق .
كانت أمريكا موقنة بعد الخطاب، الذي ألقاه في حرم "أمير المؤمنين" "صلوات ربي وسلامه عليه"، أنه لو بقي هذا الشهيد الحي، فلن يكون هنالك موطئ قدم في العراق! خاصة بعد رؤيتهم للجماهير المحتشدة حوله، وشعبيته كذلك أتباعه ومحبيه، لهذا استعجلت ودبرت مع خلاياها التي جندتها طوال السنين الماضية خاصة خلايا البعث الذي لم يترُك مُوبِقةٍ إلا وعملها بل عدو لآل الحكيم بالخصوص! والعراق بشكل عام، سوى مؤيديه الذين إرتضوا أن يكونوا أداة بيد المستعمر والمحتل وبكل من له صلة بإحراق العراق بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام .
مشاريع بناء دولة ممهدة لدولة العدل الإلهي، كان الحلم الذي يراوده منذ بداية فكرة المعارضة لحكم الديكتاتورية، التي إستقاها من زعيم الطائفة والده، وكانت شغله الشاغل، وبعد المضايقات المتكررة له! آثر بالذهاب الى أرض الخالق الواسعة، فكانت الجمهورية الإسلامية محطته الأولى والأخيرة، مع التنقل بين الدول لكسب الرأي العام، وإظهار مظلومية المواطن العراقي للعالم، وتوثيق الخروقات التي جعلت العقول العراقية العقول العراقية تهرب خارجا، وخلت الساحة لرفاق الحزب والمحسوبين والأقارب والموالين للحكومة آنذاك .
الخطابات كانت عبارة عن توصيات بكيفية البناء التدريجي، بعد إجبار المحتل الخروج بطريقة سلمية دون إراقة الدماء، وهذا فن سياسي لا يتقنه غيره! كما لا نريد الدخول بسردٍ عن إمكانيّاته، التي يخشاها أكبرُ ديكتاتورٍ في المنطقة العربية، وهذا عجّلَ بإغتيالهِ بتلك السرعة، لكن الذي لا يعرفهُ كثيرٌ من العراقيين، أن برنامج بناء الدولة يكون عبر دراسةٍ معدةٍ سلفاً، وُفقَ مكيال الإنصاف لكل شرائح المجتمع، والقانون سيد الموقف، سيما أن هنالك كثيرُ من الملفات، يجب حسمها من خلال القضاء، على جذور البعث الشوفينية، وطبعا هذا لا يرضي معارضيه، وهُمْ كُثر! وقد كَشَفَ لنا الوقت الذي مررنا به من هُمْ .
بعد إستشهاده فَرَحَ ثلةٌ من الوصوليين، يهرول خلفهم من على هو على شاكلتهم، وتقرحتْ قلوبُ السوادِ الأعظم، لأنهم كانوا يرون فيه مستقبل العراق، وبذا فقدنا من كانت له اليد الطولى بإستبدال الحال من الإرباك الى الإستقرار، الذي نفتقده اليوم كثيراً، ولو كان باقياً وسطنا اليوم لما وصل بنا الحال لما نحن فيه من التشتت والتفكك، بعدما كان من يتصدر القائمة يلوذ به في أبسط حالة يمر بها، وينتظر تطبيق ما يأمر به، كما لا ننسى الأبطال الذين ينتظرون إشارة منه، فرحل عنّا مستعجلاً راحلاً تارك الدنيا وما فيها، دون أن نستثمر أيّ شيء، لأنه من كان يلوذ به بالأمس، إنشغل بأمور دنيوية، وهو بالأمس كان يتمنى تطبيق أي فكرة ينطقها الحكيم .