يوم ليس عاديا في إحداثه الزمانية والمكانية، وتأثيراته على جميع الأصعدة السياسية والمذهبية والوطنية، وآثاره ما زالت شاخصة في أذهان الكثيرين، وما زال باب القبلة عند ضريح الإمام علي ( عليه السلام ) يُذكر الجميع بما حدث، ظهيرة يوم الجمعة الأول من رجب الموافق 29 آب 2003.
ما زالت الأسئلة عن مقتل السيد محمد باقر الحكيم، لا تفارق أذهنة الناس في عموم العراق بشيعته وسنته بعربه وكورده، وحتى في الأوساط الإقليمية والدولية، التي لم تكن لها يد في تلك الحادثة، ومن هم المتورطين بها والجهات المنفذة لها والمتعاونين معهم، والأهداف والغايات التي أريد تحقيقها من هذه الجريمة البشعة، وهل هناك أطراف دولية وإقليمية ومحلية شاركت في الحادثة، أم كان الأمر محصورا في البعث والقاعدة فقط.
من قتل محمد باقر الحكيم ؟ سؤال كان يجب أن تتم الإجابة عنه، بعد انتهاء التحقيقات الجنائية في الحادث، كون الشخصية التي تعرضت له ليست عادية، بل هو قائدة المقاومة العراقية الذي استمر أكثر من 23 عاما يقاتل نظام البعث الفاشي في العراق، وقدم عشرات الشهداء من عائلته في سبيل الخلاص من أعتى نظام بربري، كان يحرق الناس في أحواض التيزاب بمجرد الشبهة، وها نحن بعد مرور خمسة عشرة عاما لم نجد إجابة على هذا السؤال، وكأنه أريد للحقيقة أن تغيب وتقيد الجريمة ضد مجهول.
مازال الغموض يكتنف أحداث هذه الجريمة الشنيعة، التي استهدفت رأس قوة الشيعة في العراق وحامل مشروعهم السياسي، والشخصية التي كانت توحد جميع القوى السياسية والطوائف والقوميات العراقية, والحائط الذي تصطدم عنده كافة المشاريع المشبوهة التي تستهدف العراق، فلم تكشف تفاصيل تلك الجريمة أو يصرح بالجهات التي تقف خلف ذلك التفجير الإجرامي, الذي يعد واحدا من اكبر خمسة اعتداءات دموية وقعت في الشرق الأوسط، وفتح الباب بعده للكثير من التفجيرات والعمليات الإرهابية، في مختلف أنحاء العراق.
لم تكن عودة محمد باقر الحكيم الى العراق حدثا عاديا، وهو الذي استقبل بأمواج بشرية من البصرة الى النجف، تهتف له ومؤيدة لمشروعه الذي جاء به، وأعلنه واضحا في خطبه التي ألقاها في ضريح الإمام علي ( عليه السلام )، ممهدا للمشروع الشيعي الذي يهدف الى بناء دولة عصرية تصان فيها الحقوق وتحفظ فيها الحريات، بعيدا التدخلات الدولية والتجاذبات الخارجية، وكانت الصورة واضحة أمام العالم أجمع أن السيد محمد باقر الحكيم سيبقى رأسا للمقاومة وحجر عثرة، وجبلا يصد كل طموحات التدخل في الشأن العراقي، تقف خلفه جماهير غفيرة تتوق للحرية والعيش بكرامة دون ذل أو وصاية، لذلك بدأت الخطط توضع للتخلص من هذا الجبل، وإدخال العراق في السياق الذي يريده الاستكبار العالمي.
رغم عدم الإجابة عن أسئلة كثيرة تتعلق بهذا الحادث الشنيع، إلا أن ما حدث بعده يدلنا على الغايات التي أريد للعراق أن يجر إليها، فبعد ثلاث سنوات بدأت الفتنة الطائفية تضرب في أرجاء العراق، وتسلق البعثيون الى السلطة وعادوا بوجوه جديدة وأصبحوا ممسكين بمفاصل العملية السياسية، وتفرقت قوى التحالف الشيعي وأصبحت تتصارع فيما بينها، مبتعدة عن الأهداف التي أسسها شهيد المحراب وجاهد من أجلها، ولعبت التدخلات الدولية لعبتها في العملية السياسية في العراق، وصارت تحدد رأس هرم السلطة في الغرف المغلقة.
ويبدو أننا لن نحصل على إجابة وافية بعد هذه المدة الطويلة، وسيبقى الجاني هو من يملك الإجابة عن هذه التساؤلات، التي ما زالت تشغل أذهان العراقيين، بينما روح محمد باقر الحكيم تحلق عاليا في سماء الخلود، تشفق على أولئك المجرمين الذين لا يدركون ما صنعوه من جريمة مروعة.