لا أخفيك سرًا أنني أكره الذكريات حينما تكون قيدًا يكبل واقعي ويعيق مستقبلي.. بالطبع لست أينشتين أو مصطفى مشرفة لأحسب عمري بالثواني ولكن أنا مثلك ومثل الجميع نعتقد أننا مهمون.. بل نحن محور الكون! ذلك الاقتباس الشهير "وتحسب أنك جرم صغير وفي داخلك ينطوي العالم!" هل تصدقه حقًا؟ أما أنا فأصدقه ولكن انتكاساتي تجبرني على الإنكار.. وهذه مغالطة منطقية أعترف لك بها، لكن تلك المغالطة غير المنطقية هي في ذاتها عين المنطق.. الفطرة في التناقض حتى في نفسك، ولعل ذلك ما تنبه إليه إمام الصوفية أبو العزايم حينما نشد بيتًا من الشعر قائلًا "إن العناصر مجمع الأضداد يخفي الظلام فيها دوام الجهاد". وبعد كل هذا الحشو أرجح خيارَ أنني محور الكون فعلًا.. بالإضافة إلى أن ذلك الخيار بالطبع هو الأنسب لعرض فكرتي! ،،، قالوا قديمًا "إن الذكريات التي لا تموت.. تُميت!" قلتُ في نفسي ولماذا أقتلها وأنا أحبها؟ وما قيمة حياتي دونها؟ ولكن كدأب قاعدة التناقض صاح صوتٌ وماذا تفيد إذ تعطلك وتفصلك عن الواقع؟! ،، أجلس في غرفتي المظلمة وعلى سريري الأشعث أحدق في السقف حيث اللا شيء والسواد يغلفني إضافةً إلى عُمار المكان -إن كنت تؤمن في نظرية قرب الجان- وكل هذه التفاصيل تصنع اللحظة الفاصلة في تاريخ اليوم.. الآن أنا مستعد لفقرة الذكريات فلنبدأ بالمرور.. فليبدأ الفيلم ولكن الذاكرة لا تجيد تشغيله إلا بصيغة ال flash backs. ،، أطوف ما بين ذكرى جدتي رحمها الله حينما كانت تمسح على شعري في حنو إلى استيقاظها وقت السحر لتتمتم بأجمل الدعوات ومرورًا بدعائها الشهير إذا ما استعصى علينا أمر "ربنا قادر وكريم" وخلال تلك القفزات المرئية تنسال الدموع من عيني بمنسوب متفاوت يميل للزيادة.. شعور متناقض يجمع بين الفرح والحزن، إني أراها وأيضًا لا أراها... أنا أحيا وأيضًا أموت.. سبحانك ربي أنا بين الثلج والنار! ،، ذكرى أول فتاة مست شغاف قلبك ولو من بعيد.. الأهم أنك قلت في قرارة نفسك أنك معجب بها حقًا، ذلك أمر لا ينسى لا سيما إن أخبرت به عزيزًا فلسوف يخبر العزيز عزيزه والعزيز الآخر عزيزًا جديدًا وهكذا سيظل هؤلاء الأعزاء يذكرونك بتلك السقطة المروعة كلما مرت الفتاة أو حتى اسمها على مسامعهم ولو لم تكن هي أصلا! أطلقت عليها سقطة بالطبع لأنك ستندم أشد الندم مع مرور الوقت وستشعر بعار من خان مبادئه أو صار جاسوسًا صهيونيًا وغدًا! بالطبع إنه اختيار مراهق فلمَ العجب؟! إنها لسقطة فجة ولن تغادرك تلك الوصمة أبدًا ولكن ماذا عن تلك المضغة التي تبتسم خلسة لتجعل الندم يُرتاب في أمره حينها مستفهمًا: هل لو رجعت للوراء كنت لتعجب بها ثانيةً؟! سؤال مهم وشاق ولا أظنك تملك قولًا فصلًا يبت فيه. ،، تتزامن رؤى انتكاساتي المروعة مع سوء حالتي المزاجية ولا أخفيك سرًا أنني أشعر بأن الكون كله قد تآمر عليَّ مما يشد أزري في طرح نظرية المؤامرة المخبولة تلك بقوة وغضب... تبدأ الملحمة بقرار خاطئ ليفجر بركانًا من الأخطاء السالفة تنتهي إلى أنني شخص فاشل تمامًا لم يحقق أي إنجاز، ولو أردت الحقيقة فأنا لست علَّامة عصري أو مرحلة فارقة ولكنني على الأقل لست الثقب الأسود الذي يبتلع الأخضر واليابس.. لست الشيطان هنا فأنا أصيب وأخطئ ولكن شيطاني لا يرى ذلك فهو يراني صديقه المخلص ويسعى جاهدًا ليقنعني بذلك معظم وقتي.. بالطبع معظه لأنني صرت كئيبًا معظم الأوقات كما ترى من قلمي هنا بسهولة.. يذكر أحد السلف أن من تخلف عن ركب غزوة أُحد من الصحابة كان بسبب أن الشيطان قد عرض لهم أخطاءهم فتذكروها وكرهوا أن يلقوا الله قبل أن يتوبوا عنها! وذلك قد حال بينهم وبين الجهاد! لم أستغرب ذلك التعليل أبدًا لأنه ببساطة يمثل معظم حياتي. الذكريات على جملتها تنتهي بي إلى الدعة والنوم.. تجعلني أتوقف عما كنت فيه، ولو كنت مهتمًا بتفاصيل مرض الصرع لفهمت تشبيهي لها ب absence seizure أو اسمه الشهير petit seizure لكن مع اختلاف عنصر الوقت فعندما تصيبني أتسمر في مكاني ولا أتشنج ثم أعود لأكمل ما كنت فيه وكأن شيئًا لم يكن، ولكن الاختلاف في عنصر الوقت.. هي لا توقفني لثوانٍ ولكن لساعات! هي فجوة زمنية تبتلعني في موجة ظلام وخنوع ويأس! أظل أتساءل حتى الآن: هل حقًا الذكريات سيئة لهذا الحد؟ أم أنها لطيفة تخفف عنا ولكننا نسيء استخدامها كحال كل شيء؟ هل نقدر أن نحيا دونها أم لا غنى عنها؟ وذلك أيضًا لغز شائك في هذا الكون الفسيح.
"فلاش باك"
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين