كانت تراودنا الشكوك بشان الموعد الذي حدده الرئاسي لبدء عودة مهجري تاورغاء الى مدينتهم,لأننا كنا مدركين لحجم الحقد الدفين لدى قادة بعض الميليشيات مدعومين بفتاوى من يدعون انهم وجهاء القوم,لأنهم من يسيطرون على زمام الامور دون سواهم,ماانفكوا يحاولون ابتزاز السلطات القائمة (ولازلنا نستذكر علي زيدان الذي كان كالخاتم في اصبعهم,فقط اتركوني احكم)بالمال وكل ما من شانه تقوية موقفهم.ما اقدم عليه رئيس المجلس الرئاسي,لأجل تلميع صورته لدى القوى التي نصبته رئيسا,لو كان جادا لتقدم صفوف العودة صحبة فريق من (المشايخ والأعيان) وأعضاء من البعثة الاممية,والإيعاز الى قواته بالتدخل ان لزم الامر.
المؤسف له حقا ان منظمات حقوق الانسان والأمم المتحدة لم تكترث للوضع الانساني المزري الذي يعيشه مهجرو تاورغاء في اماكن غير معدة اصلا للسكن (كامبوهات) وهي اشبه بالمعتقلات مع افتقار تلك المخيمات لأبسط المرافق ومنها التعليمية ما يساعد من هم في سن الدراسة على الانخراط في اعمال غير انتاجية تقود بالضرورة الى سلوكيات غير سوية,ومن ثم انتشار الجريمة بمختلف انواعها,ما يعد القضاء على جيل كامل من شباب اليوم رجال الغد.
يرى بعض المحسوبين على فئة المثقفين والطبقة السياسية,ان (تاورغاء-المكان)اصبحت تشكل لسكانها عقدة نفسية ستلازمهم مدى الحياة,لذلك يقترح هؤلاء ان يوطن النازحون حيث هم في داخل الوطن,بالطبع يعتبر ذلك محاولة لتشريد السكان وتفتيت جمعهم ويصبحون في الشتات على امتداد الوطن,فيفقدون الهوية الجهوية.كما يتمنى اخرون من الساسة ومنعدمي الضمير بان يتم ترحيل سكان تاورغاء الى بلدانهم الاصلية الافريقية,اسوة بمن يرحّلون اليوم ضمن برنامج الهجرة غير الشرعية,فلا فرق لديهم بين هؤلاء وأولئك. فتاورغاء تكاد تكون المدينة الشاطئية الوحيدة في ليبيا التي يسكنها ذوو السحنة السمراء,ومن الواضح ان تجار اليوم يستكثرون على السمر قربهم من البحر.
لا نشك للحظة بان رجال الاعمال ومذكيي النعرات الطائفية والاثنية يسعون وبكل ما اوتوا من قوة الى جعل منطقة تاورغاء الساحلية منطقة تجارة حرة,بإقامة المشاريع المختلفة وتوطين من يرونه مناسبا في المنطقة.والأحاديث(السفير السعودي-ديبوراجونز-السويحلي) التي كانت تدور عن القيام بتنفيذ 1400 مشرع بقيمة 270 مليار دولار؟؟!!, وأماكن المشاريع بالمنطقة الوسطى خير دليل.ترى هل هذه المبالغ الطائلة هي نصيب المنطقة المعنية من ثروة البلد؟ اذا كان الامر كذلك فان ليبيا ستتفوق على دبي وكافة امارات الخليج بل ستضاهي هونغ كونغ, وتصبح المركز الاول في العالم للتجارة والاعمار والاستثمار.لكن ما نعايشه عن قرب في زمن التغيير من هدر للأموال (السائلة والراكدة والمجمدة)يؤكد لنا ان هؤلاء يسعون لمصالحهم وليس لصالح الوطن.
ان ما يعانيه سكان تاورغاء من ظلم وجور واحتقار هو اشبه بمعاملة البيض لسكان امريكا الاصليين(الهنود الحمر والسود الذين جلبوهم لأجل الاعمار والتشييد ) الذين وان رفع الظلم عنهم دستوريا(قانونا),فإنهم لا يزالون يعتبرون مواطنين من الفئة الثانية,فسكان تاورغاء يعتبرون وبجداره, هنود حمر ليبيا.
وبعد ,اما آن لهذا الجمع الغفير من المهجرين شيبا وشبابا,ذكرانا وإناثا,ان يعودوا الى ديارهم ,ان الشرائع والأعراف الاجتماعية,لا تأخذ البريء بجريرة المذنب,فمن تثبت ادانته هناك المحاكم للتقاضي,كما تتحمل الدولة جبر الضرر والتعويض على الجميع بما يمكنهم من نسيان الماضي,والعمل سوية من اجل بناء الوطن.