"عالجي نفسك بالأول "

فور علمها باختياري لتخصص علم النفس لأدرسه في الجامعة و بدافع الحب المتنكر في هذه العبارة ، كانت أمي ترددها على مسامعي كلما سنحت الفرصة ، لا أنكر أني كنت مليئة بالعيوب ولازلت احتفظ ببعضها ولكن مسألة تغيير الشخص لنفسه ليست بتلك السهولة يا أمي !

عندما يتعلق الموضوع بتغيير العالم والمحيط الخارجي أهبُّ مثل الغزالة أناطح وأكافح لأغير أي شيء خارج حدودي ، ولكن عندما يتغير اتجاه الحديث إلى أنّ (تغيير العالم يبدأ بالنفس أولاً ) ،أتّكئ على أقرب جدار وأبدأ بسرد كل الجهود المطلوبة لتنفيذ هذا الطلب الصعب للغاية .

لا زلت أذكر ذلك الموقف عندما طلب أبي من أخي الأصغر أن يتوقف عن اللعب ب(الآيباد) ويتوضأ ليلحق به للمسجد ، غضب حينها لأن الأمر لم ينفذ لحظة صدوره ، لحظتها راودتني فكرة مضحكة مفادها أننا نتمنى امتلاك عقول الآخرين والسيطرة عليها لنتحكم بهم تماماً ولنسيرهم كما نريد بالضبط ، بينما في الواقع يستعصي علينا أن نسيطر على أنفسنا وهي الشخص الوحيد الذي بالفعل نمتلك عقله و أهواءه وقدراته وإرادته !

ولأوضح الفكرة سآتي بمثال على سبيل التصرفات اليومية البسيطة : 

الأم عندما تطلب من ابنها أن يتوقف عن فعل معين كاللعب في صالة المنزل بالكرة لأنه فعل مزعج مثلاً ، وتريده أن يتوقف عن اللعب لحظة صدور الأمر ، هي تستسهل الموضوع تراه من زاويتها " أمرتك بتغيير تصرفك افعله ببساطة " !

عزيزتي الأم لو طلبت منك أن تغلقي سماعة الهاتف فوراً عندما تتحدثين بصوت عالٍ في وسط المجلس بكل حماس في موضوع خطبة فلانة لن تستطيعي فعلها ببساطة كما تتخيلين !

لأني حينها أطلب منك أن تتحدي نفسك وتوقفي متعتك ، وأنت لا تأبهين بكمية الأذى التي قد تسببينها لأي أحد (ازعاج الموجودين بالمجلس مثلاً ) بقدر استمرار متعتك في سرد الأخبار والتعليق عليها ، من الصعب عليك أن توقفي هذه المتعة لمجرد صدور أمر خارجي من شخص آخر ، وهذا تماماً ما يحدث عندما تطلبين من ابنك أن يغير تصرفه ويوقف لعب الكرة، هو لا يأبه بقطع الأثاث التي ستتحطم أو بإزعاج الموجودين بقدر متعته بقذف الكرة وإسقاط قوته على شيء يطير بعدها عالياً وتكراره للأمر يكرر الشعور بالمتعة لديه لذلك لن يتوقف لمجرد صدور أمر خارجي ؟!

وهذا فقط على سبيل التصرفات اليومية البسيطة فكيف بالعادات التي نَمت وتكونت داخل أحدهم لمدة شهور وربما سنوات فتغييرها أصعب ؟!

وحقيقة الدافع الذي جعلني أكتب ما قرأتموه سابقاً هو أن الكثير منا ينتقد عيوب الآخر ويستغرب عدم تغيير هذا الشخص لعيوبه الملتصقة به منذ فترة طويلة مستسهلاً هذا الأمر ، ولو طلبنا من أخينا المنتقد الفاضل أن يغيّر عيباً واحداً فيه لتنكّر واستصعب الفكرة، هذا إن آمن أصلاً أن به عيوب تحتاج التغيير !

فخلاصة القول قبل أن تطلب من أحد تغيير عيب فيه ، التفت لنفسك وطالبها بالأمر أولاً ، ثم تأمل معي عزيزي المنتقد الفاضل (الحنية) وحسن الظن وكمية الأعذار والتأني التي ستضعها لنفسك حين تقرر تغيير عيب فيك ، فأرجوك قابل الآخرين بنفس تلك الأعذار فهم بشر مثلك تماماً يصعب عليهم تغيير عيوبهم ،وإن استطعت تقديم العون لهذا الشخص بنصيحة أو غيرها فافعل وقل خيراً أو اصمت .

وبالمناسبة هذا الموضوع يذكرني دائما بشخص يدعى (رون وودوورف) غير عيوبه والتي كادت تقضي على حياته بكل شجاعة وقوة وصبر وقد صُنع في قصته فيلم باسم ( نادي دالاس للمشترين ) ابحثوا عنه لعله يلهم أحدكم .

وتذكروا تغيير العالم ومحيطكم الخارجي فكرة عظيمة تحتاج جهد عظيم ،ولكن الأولى والأصعب من هذه الفكرة هو تغيير انفسكم أولاً فأبدأو بها .
دمتم أقوياء .