ماذا لو قررنا جميعاً أن نتخلى عن ذاكراتنا، ماذا لو قررنا أن نترك ماضينا ونتحرر منه، أن نكون بشراً بلا أخطاء وبلا ندم، ماذا لو قررنا أن نتخلى عن أحلامنا، عن طموحنا، أن نسير في خطى واحدة لا تختلف، هل حينها سنتجنب الشعور بالوحدة والقسوة والحزن والألم، وهل تستحق الحياة من دون ألم أن تعاش ونشعر فيها أننا أحياء ولسنا مجرد مسوخ.
أنا ممن عانوا الألم، كُسِر قلبي أكثر من مرة، أحببت أصدقاء ورفقاء دربٍ تركوني في منتصف الطريق، تهدم كثير من أحلامي لمجرد أني في وطن شرقي لا يجد فيه الرجل حتى حلمه، أخطأت في حياتي كثيراً جداً، وندمت على ما فعلت ندماً مزق روحى، تعرضت للخداع أكثر من مرة، وأسأت بحق نفسي كثيراً إن لم أكن أسأت بحق البعض أيضاً، تعرضت للخذلان مراراً وتكراراً، أمضيت ليالي أمزق في ضميري حتى النوم.
فكرت كثيراً بالرغبة في عدم الشعور، بالرغبة في عدم الإحساس بالوجع الذي يملأ شروخ الروح ولا يضمدها بل يزيدها تقرحاً مع السنين، فكرت كثيراً في تجنب المشاعر والبقاء وحيداً بعيداً عن الناس، في الاستغناء عن كل ما يمكنه أن يسبب نزول دمعة واحدة من مقلتي، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، فلا أحد يمكنه تجنب الأحزان، أو دخول الناس في حياته، كما أنه ليس معصوماً من الخطأ، فكيف يمكنه تجنب الندم والألم والحزن والخوف؟
ظل هذا السؤال يؤرقني كثيراً ولم أجد الإجابة قط، لكن مع الأيام نضجت شيئاً فشيئاً، فعلمتني الدنيا قبول الأحزان والآلام والمخاوف كأجزاء حقيقية من الحياة، لا يمكن تجنبها بل مع الوقت سنألفها، لن نبكي رحيل الأحباء بكاءً يمزق الأطلال، ولن نندم على أخطائنا بشكل يجعلنا قساة على أنفسنا لأننا سندرك في النهاية أن هذه الأخطاء هي ما تصنعنا، هي ما تجعلنا الشخصية التي نحن عليها الآن، فقبلت الحياة على وضعها، لم أعد أحاول أن أغير من أي شئ، لأنني ببساطة أدركت أن الألم والحزن والخوف والرهبة والقلق هي أشياء تساهم في تغييرنا للأحسن، إذا لم تزد عن حدها.
لا أدري لماذا وأنا أكتب هذه الكلمات شعرت كمَن يحاول أن يفتح نافذة للبرد في غرفة مريض مٌصاب بالإنفلونزا، على أية حال لا يعنيني السبب وما سيؤول اليه مصير هذا الشعور أتحاشي أن أكون علي دراية به، ولا أعتقد أن أحداً منكم يهمه معرفة ما وراء شعور كهذا، وأحيطكم علماً أنني كنت في حيّرة من أمري هل أمسك لساني على هونٍ قبل أن أتكلم أم أدُسُه في التراب، لكن حين يفقد القلب والروح عذريته يكون من الصعب إحجام اللسان عن الكلام.. والسلام.