مصطلح الوسطية :
الوسطية كمصطلح لغوي له تشكيل نمطي في ثقافة الناس يعد مصطلح إيجابي يرادف معنى الإعتدال الذي يشير إلى التوسط بين نقيضين غالباً ما يكونا سلبيين .
وأما في كونه مصطلح شرعي ففي ذلك تفصيل:
الوسطية في الإسلام:
كمصطلح وصِفَة ، لا يمكن نفي وجود لفظها ومرادفاته في مراجع الإسلام حيث أشار لها القرآن في عدة مواضع ، انقسمت في مجملها إلى وسطيتين:
- - وسطية محمودة
- - وسطية مذمومة
وأما الوسطية المحمودة. فهي الوسطية بين باطل وباطل :
كوسطية أمة الإسلام بين ضلالات الأمم في الشرائع والعدالة، فهي أمة اعتدلت بين رهبانية النصرانية وتجاوزات اليهودية. وهذا ما أشير إليه في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} وقد فسرها النَّبي ﷺ بقوله: (الوسط: العدل)،
وقيل معنى الوسط هنا "أي خياراً وأفضلية، ولا يقصد به التوسط بين أطراف".
ومن أمثلة الوسطية المحمودة في شرائع وسلوكيات الإسلام: لفظ "قواما" كمرادف للتوسط في قوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}. وقوله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا }. أي اتخذ سلوكاً وسطاً بينهما، فلا إفراط ولا تفريط.
وكل تلك الأمثلة تسير على قاعدة : - التزام الحق بين باطلين -
وأما الوسطية المذمومة. فهي الوسطية بين الحق والباطل :
كوسطية المنافقين: { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء }
ووسطية بني إسرائيل الكفرية: { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا }
وهنا تكمن خطورة المصطلح، وتداعيات التوسع في استعماله، حين يصبح مصطلح فضفاض تتحدد معاييره وفقاً للأهواء. _________
** إذاً نلاحظ فيما سبق ذكر متكرر لمرادفات الوسطية في القرآن جاء بعضها في سياق المدح لكن كمصطلح لغوي لشرائع مختارة لا كمنهجية شرعية ثابتة كما يحاول البعض ترويجه.
وجاء بعضها في سياق التحذير وهي الوسطية بين الحق والباطل، والتي تعني الوقوف وسطاً بين الكفر والإيمان، وبين الأوامر والنواهي؛ وبين الإلتزام والتفريط وهنا تصبح الوسطية مصطلح "هوى" لا شرع.
ومن ذلك نستنج أن :
١- لفظ الوسطية في الإسلام مجرد وصف لغوي لسلوكيات وشرائع ، لا وصف شرعي ثابت ترسم على أساسه منهجية دين الإسلام.
٢- الوسطية في الإسلام ليست وسطاً حسابياً،
فالتوسُّط في الدين لا يعني ذلك البعد الهندسي الذي يقع وسط الطريق بين كل متناقضين، ويحتوي على نسبة متساوية من كل من الطرفين، فليس كلُّ وسطٍ معتدلاً، وليس كل طرف سقيما.
٣ -الوسطية في الدين ليست منوالاً ،
أي أنها ليست منهجية يحددها الإنسان على ما يناسب رغبته لمحاولة إرضاء الناس والبحث عن الفكرة الأكثر رواجاً بينهم ليقول هذا هو الدين! وهذا للأسف ما بدأ يظهر لنا باسم الاعتدال والتسامح ودين اليسر.
____________
وبناءً على هذا نطرح السؤال الأهم لهذه المقالة:
هل يوجد منهج يسمى "الإسلام الوسطي"؟
الجواب لا. لأن هذا المسمى يقتضي وجود مسمى " الإسلام المتطرف - والإسلام المتساهل ". وحاشا لله أن يجعل من دينه الكامل الواضح أصنافاً نتخير منها الأصلح.
فالإسلام كله وسطية وما حاد عن حدوده التي رسمها الكتاب والسنة فقد خرج من نطاق الإسلام. فالغلو والتفريط منهجيات تجاوزت حدود دين الله ولا نسميها منه.
والنهج الشرعي المطلوب هو الإلتزام بحدود الله وما حاد عنها- بإفراط أو تفريط- فقد حاد عن المنهج السليم للإسلام الحق "سُمّي وسطية أو إسلاماً".
قال ابن القيم: "والدين كلُّه بين هذين الطرفين - التقصير والمجاوزة - بل الإسلام قصد بين الملل، والسنة قصد بين البدع، ودين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه"
وفي النهاية، أرى الخلاصة للمنهج الإسلامي القويم والمعنى الحقيقي للإعتدال تتشكل في قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( إن التشديد والتيسير والاعتدال مرجعه إلى الشرع ، فما وافق الشرع فهو الاعتدال والوسط ، وما زاد عنه فهو التشدد ، وما نقص عنه فهو التساهل ، فالميزان في هذا كله هو الشرع ، ومعنى الاعتدال هو موافقة الشرع ، فما وافق الشرع فهو الاعتدال ) انتهى.