تتهم العقلية النسوية الإسلام وأحكامه بتحيزه وتفضيله للرجل،                                                وتمتعض عقليات ذكورية من تكاليف يوجبها الإسلام على الرجل لأجل المرأة قد تراها غير منصفة،

في الحقيقة مثل هذه الرؤى هي عادة تصدر من نظرة عوراء  ترى فقط "الجزء" الذي تستعمله في امتعاضها دون أن تدرك الكل،                                                 بينما ذلك الجزء موجود ليوازن الجزء الآخر فيحقق "الكل" العادل .                                                    ***************

نبدأ بتهمة ذكورية الإسلام، ولرد هذه الشبهة فعلينا أن نستعرض النصوص والمواقف الدينية التي "يبدو فيها ظاهرياً" تفضيل للمرأة على الرجل، وذلك مجاراتاً للأسلوب النسوي في انتقاء النصوص ولكن بشكل معاكس:

١- على مستوى الوالدين:

تفضيل مضاعف للأنثى على الذكر في الحقوق والإحسان ، رغم أن نفقة الأولاد على كاهل الأب إلا أن تقدير الدين لمتاعب الأنثى أعطاها حق التفضيل بثلاثة أضعاف.

 "جاء رجلٌ إلى رسول الله ﷺ - فقال :من أحق الناس بحسن صحابتي؟،  قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أبوك)"

٢- على مستوى الزوجين:

* للمرأة حق في مال زوجها وليس له حق في مالها.

- أوجب الدين النفقة والسكن والمهر على الرجل ، ولم يحرم العمل وطلب الرزق على الأنثى،                   فيمكن للمرأة أن تعمل ولا تنفق ، ولا يمكن شرعاً للرجل أن يمتنع عن الإنفاق على أهله ولو لم يعمل، بل يجب عليه السعي لذلك بقدر استطاعته، فهي من تكاليفه .

- أباح الدين للمرأة أن تأخذ من مال زوجها دون اذنه إن قصر في نفقته:

اشتكت هند بنت عتبه زوجها على رسول الله ﷺ وقالت إنه رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني، فهل يجوز أن آخذ من ماله سراً؟ فقال ﷺ "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ،.                      فأجاز لها ذلك رسول الله بنص تقاس عليه الأحكام المماثلة في جميع الأزمنه،                                          ولا يجوز هذا للرجل ولو احتاج إلا برضاها،      وأتساءل هنا ماذا لو كان الحكم بالعكس وجاز للرجل أن يأخذ من مال زوجته بلا إذن؟ لاستدلت النسوية بذلك أنه إمعان في تحقير المرأة واعتبارها وما تملك ملك للرجل!

* لا يوجد نص يوجب على المرأة خدمة زوجها في البيت، وقد ذهب جمهور العلماء (الشافعية والحنابلة والمالكية) إلى أن خدمة الزوج لا تجب على الزوجة ، لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به .

* للمرأة حق في خلع زوجها حتى وان كان السبب عاطفي: 

عن ابن عباس قَالَ : " جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لا أَعِيبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلا خُلُقٍ ، وَلَكِنِّي لا أُطِيقُهُ ، فَقَالَ  ﷺ  : فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ (أي المهر) قَالَتْ : نَعَمْ "

فسمح لها أن تخلع زوجها بسبب عدم حبها له مع أنه بلا عيب ظاهر، وهذا يظهر فيه مراعاة الدين لعواطف المرأة وأنها غير مجبرة بمصارعة عواطفها لكي تؤدي حق زوجها عليها.

٣- على مستوى الأولاد

- وعد رسول الله ﷺ من يرعى فتاتين ويحسن لهما بأن له الجنة                                                            فقال : (ما من رجل تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة) 

ولا نص لمثل هذا الوعد لمن يربي الأبناء .

٤- على مستوى الحدود

- قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

نص قرآني يتوعد من يقذف عرض المرأة بلا برهان بالعذاب واللعن وله حد في الدنيا، ولم يُذكر ذلك للرجل، وقال البعض يمكن أن يقاس حكم قذف الرجل على هذه الآية.

- " المساواة في حد الزنا "، رغم تشبع العقلية العربية التقليدية بفكرة أن العار يلحق بالمرأة فقط ولا شيء يعيب الرجل، بينما الدين ينسف هذه النظرة :           قال تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وكذلك مساواتهما في حساب وعقاب الآخرة.

- الابتداء بالرجل في آيات الأمر بالعفة وغض البصر : قال تعالى "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"                                                                    ثم جاء بعدها الأمر للمؤمنات.

٥- على مستوى العبادات

 "الجهاد- صلاة الجماعة- صلاة الجمعة" تجوز للمرأة ولا تجب عليها ولا تأثم بتركها، وتجب على الرجل على العموم ويأثم بتركها.

٦- في الميراث

الميراث له أوضاع عديدة، يوجد من بينها حالات عدة ترث فيها المرأة  مثل الرجل وبعضها أكثر منه ، وأحياناً قد ترث وهو لا يرث، رغم أن الرجل ملزوم بالنفقة على غيره والمرأة غير ملزومة بالإنفاق على أحد.

*********************** 

بعد تلك الأمثلة المنتقاة، هل يمكننا أن نقول أن الدين متحيز للمرأة؟ 

هذا بالضبط ما تراه العقلية النسوية بطريقة عكسية تجاه بعض الأدلة المنتقاة والتي يرون فيها تفضيل للرجل وتمييز له على المرأة. 

فالعقلية المتطرفة التي ترى الحياة عبارة عن تصارع وتنافس لا تكامل وتبادل

تكون نظرتها قاصرة في حدود ما تريد فقط أن تراه، فتتجاهل النظرة الشاملة والتي يظهر فيها مدى مراعاة الدين لتحقيق التوازن في الحقوق وضمان القدرة على أداء التكليف في مختلف الأزمنة وفقاً لطبيعة الجنس.

فكل نص أو حكم في الإسلام تراه النسوية  متحيز ضد المرأة، سترى في الجانب الآخر سبباً له يحقق التوازن إن قررت النظر للأحكام برؤية شمولية؛

*****************

فالنسوية تمتعض من حكم القوامة وتنسى أن سببها تكليف لا تشريف!

تمتعض من قاعدة "نصف حظ الذكر" في الميراث وتنسى أن سببه تحقيق عدالة وفقاً للتكليفات!

تمتعض من نصوص حقوق الزوج على زوجته، وتتجاهل نصوص حقوق الزوجة على زوجها، بل وآية "ولهن (مثل) الذي عليهن بالمعروف" كافية لاثبات توازن الحقوق!

تمتعض النسوية من جملة مجتزأة من حديث نقص العقل والدين دون أن تكلف نفسها بقراءة باقي الحديث لتعرف أنه تفسير لواقع يحصل في حياة المرأة  وليس تحقير!

تمتعض النسوية من حكم الله في إجازة الزواج من أهل الكتاب للرجل فقط، دون أن تفكر في الحكمة من تحريمه على المرأة، ففي كل أمم العالم ينسب عرق الأبناء وانتماؤهم للأب لا الأم !

تمتعض من مبدأ إباحة التعدد، دون أن تعي أن الإسلام يحرص على وضع اعتبار لتوفير حلول لجميع الظروف والأزمنه والحالات التي قد يمر بها المرء والمجتمع.   ولا تدرك كذلك أن الدين أعطى للمرأة حق في اشتراط ما تريد في العقد حتى وان كان الشرط أن لا يتزوج عليها:                                                                    يقول شيخ الإسلام رحمه الله : " وإذا شرط في العقد أنه لا يتزوج عليها فتزوج عليها كان أمرها بيدها وكان هذا الشرط صحيحا لازما في مذهب مالك وأحمد وغيرهما ،ومتى تزوج عليها فأمرها بيدها إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت " .                                  انتهى . مجموع الفتاوى 32/170.

***********                                                               تلك مجرد أمثلة تستعملها النسوية لاتهام الدين بالذكورية، بسبب نظرة قاصرة سببها جهل بحقيقة التوازن، أو تطرف يرفض أي توازن يسعى أن يأخذ من هذا المتطرف مقابل عطاءه!

و يتضح بعد ذلك أنه لا يوجد نص أو حكم عام في الإسلام يقضي بتفضيل جنس على جنس، فكل نصوص التفاضل فرعية لها أسباب تتعلق بطبيعة الجنس وقدراته لا بأفضليته على الآخر لجنسه.

إن أحكاماً يقرها خالق الإنسان من الطبيعي أن يفوق بعضها عقل المخلوق في إدراك عدالتها، ولكن لأن "الإنسان أكثر شيء جدلا" سنجده يجادل في أحكام خالقه ويطعن في عدالتها معتمداً على عقل قاصر عن  إدراك الحكم العظمى وراء قوانين المدبر.

لذا نقول سمعنا وأطعنا تجاه كل ما يثبت عن الله عز وجل .                                                                        أما ما تقره اجتهادات فقهاء ومفسرين ورجال دين وعادات وتقاليد فتبقى مخرجات بشرية قابلة للنقاش في عدالتها.