" قانون الولاية على المرأة " في السعودية

موضوع من أكثر المواضيع جدلاً في هذا الوقت،

انقسمت آراء المجتمع نحوه بين من يراه جزء من الشريعة الإسلامية ومحاربته محاربة للشريعة.

وبين من يراه قانون قسري مسؤول عن كل ما يقع على عاتق المرأة في هذا البلد من ظلم.

بحثت عن نفسي بين الفئتين فلم أجدها، وبنفس الوقت لم أستطع أن أدلو برأيي فيه لجهلي بحقيقة القانون وحجم وجوده وحقيقة مسؤوليته عن أي اجحاف يقع على المرأة وعن رأي الإسلام فيه .

ومع استمرار طرح الموضوع قررت البحث فيه من مصادر قانونية وشرعية معتبره. وخرجت بالآتي:

***************

معنى الولاية - وعلاقتها بالشرع:

هنا تكمن المشكلة الجدلية في تناول القضية،      فالبعض يرى معناها القوامة وعلى هذا يراها "أساس شرعي صرف"                                                     والبعض يرى معناها الطاعة فيخلط بين مبدأ طاعة الزوجة لزوجها في أمور حياتهم كمبدأ شرعي، وبين طاعة المرأة للرجل بشكل عام وفي أمور حياتها الخاصة، و هذا غير مأمور به شرعاً.

فأول خطوة لاتخاذ الموقف السليم من هذا الموضوع هو معرفة معناها القضائي والشرعي.

الولاية كمصطلح قضائي بحت تعني :                "التحكم بالجسد والمال "

وهذا في الشرع يكون على :                                  🔸الصغير دون سن البلوغ.                                          🔸والقاصر مختل الشعور .  

لذا، بالمعنى القضائي: ليس على المرأة البالغة العاقلة ولاية.                                                                       ومن هذا، يقر المرجع الشرعي أن ليس لأحد على المرأة سلطة في نفسها "كقرار العمليات الجراحية والتداوي ونحوه - ولا مالها بكل تفاصيل صرفه ونفقته ووكالته، ولو كان الزوج .

أما الولاية في التزويج،                                            فهو مصطلح شرعي موجود بنص حديث صححه الألباني ، أجمع عليه الأئمة وخالفهم أبو حنيفة،

وما تأخذ به الدولة هو الرأي المجمع عليه وهو اشتراط موافقة الولي في عقد الزواج إلا في حال رفع "قضية عضل" فهنا قد تتحول الولاية إلى القاضي لتزويجها.

وهذا لا يتنافى مع "شرط قبول المرأة" للخاطب بإرادتها ودون إجبار كشرط منصوص عليه شرعاً ومأخوذ به قانوناً.

القوامة                                                                  وفي هذا المصطلح يمكننا لمس أصل الجدلية في قانون الولاية، حيث يستدل البعض بآية القوامة كدليل على شرعية الولاية، وهنا يوجد شي من الخلط،

 فما هي القوامة؟                                                     أجمع العلماء على أنها حكم خاص بالزوج فقط ولا يطبق على وضع الرجال على النساء بالعموم.     ومعناها اصطلاحاً:                                                  القيام على الشيء رعاية وحماية وإصلاحاً.         وشرعاً:                                                              الرئاسة على المرأة في أمور إدارة المنزل وحمايته وتدبيره والنفقة عليه - أي الإدارة العامة للأسرة تكون للرجل.                                                                       ولا يشمل ذلك السلطة على المرأة في مالها ولا ما تختاره لنفسها مالم يخالف شرع الله.                       ولها حق الاعتراض في القانون الشرعي على قوامة الرجل متى ما قصر في واجباته أو رأت من إدارته ما يضرها.

الطاعة:                                                                 طاعة الزوج مبدأ شرعي رغبت فيه أحاديث نبوية، شريطة أن لا يكون فيها معصية لله، ولا يكون في طاعتها له حرج عليها "ما جعل عليكم في الدين من حرج" والمقصود بالحرج أي ما قد يضرها في نفسها أو مالها ،أو يضرها في حياتها كأن يمس الأعراف الثابته كمنع من صلة رحم وزيارة الأهل بلا سبب.

ويسقط حق الطاعة عن المرأة لزوجها متى ما أسقط الزوج حقوقها عليه.                                                  فقد قال تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" أي الحقوق يتساوى فيها الرجل والمرأة،

وقوله "وللرجال عليهن درجة " المقصود بها القوامة.

فالمعلقة مثلاً والتي أسقط عنها زوجها حقوقها ومنها حق القوامة بالنفقة والرعاية ، ولم يطلقها: يحق لها أن تسقط حقوقه بالمثل ولا تعتبر بطاعته.

نقطة:                                                                          لا يجب على المرأة طاعة أخيها كواجب شرعي ولو كان هو المحرم الوحيد لها ، وأحياناً يضعها القضاء تحت سلطته من باب الحماية.

********************

الولاية في قانون الدولة

ما ذكر سابقاً هو مفهوم الولاية شرعاً، لكن التساؤل هنا هل هذا ما يعمل به قانونياً في البلد؟ أم أن هناك تصرفات وضعية باسم قانون الولاية تجاوزت المفهوم الشرعي وقيدت المرأة بلا مبرر؟

بحثت عن أغلب المظالم التي ربطت بقانون الولاية وخرجت بالآتي:

🔸 اشتراط موافقة ولي المرأة في البيع والشراء والتوكيل: انتهت مع خروج "بطاقة الهوية" للمرأة.

🔸 اشتراط موافقة الولي في إجراء العمليات الجراحية:                                                                هذا الشرط لم يعد يعمل به في معظم المستشفيات الحكومية ، وإن حصل في بعضها فربما تعود لطبيعة إدارة المستشفى وليس قانون ثابت في البلد.

🔸 اشتراط موافقة ولي المرأة في الالتحاق بالعمل: وهذا غير صحيح وبتصريح واضح من وزارة العمل نفت فيه هذا الشرط.

🔸 اشتراط موافقة الولي في دخول الجامعة واختيار التخصص:                                                                  لم يعد هذا الاشتراط موجوداً إلا في التخصصات الطبية فقط ،وذلك مسايرةً لبعض الأعراف الاجتماعية الرافضة للبيئة المختلطة، وعلى ذلك أرى أن ما يستوجب على المسؤولين فعله هو تنظيم تلك البيئة لا تقييد اختيار الفتاة.

🔸 اشتراط موافقة ولي المرأة في السفر:                 وهنا يكمن جوهر الجدلية، وربما السبب الأول للداعين لاسقاط الولاية.                                                        نعم يشترط تصريح من ولي أمر المرأة لتتمكن من السفر، ولو تناولناها من الناحية الشرعية فالشرع لم يشترط إلا وجود محرم لحماية المرأة من أية مخاطر قد تتعرض لها في السفر ، ويوجد بعض الاستثناءات الشرعية قد يطول ذكرها.  لكن ما يمكننا قوله أن وجوب شرط المحرم لا يستوجب موافقة الولي،     فالمرأة ربما لم تستطع أخذ موافقة وليها لكن تستطيع أن تأخذ معها أي رجل محرم لحمايتها، فالشرطين لا يأخذان نفس المعنى.

و رأيي الشخصي في هذا الموضوع، أنه ربما كان لقانون موافقة الولي ضرورة لمن هم دون سن معينة، لذا من الأفضل إبقاء القانون ووضع استثناءات فيه، مثل ضرورة السبب - كالعلاج أو زيارة الأهل- وهذا ما أكدت عليه الإدارة العامة للجوازات مؤخراً حيث ذكرت في نصها:                                                                 "أنه سيتم وضع ضوابط جديدة لتحديد صلاحيات سفر المرأة وتسهيل إجراءاتها من دون إذن ولي الأمر، بحيث لا يحدد العمر وإنما تحدد ماهية الخروج وأسباب السفر."

أما القضايا التالية:                                                 تعليق الزوجة.                                                         حرمان الأم من أولادها.                                        الحجر.                                                              التعنيف.                                                              العضل.

فهي مظالم لا علاقة لها بقانون الولاية،                   ولكن يستعملها نشطاء ونسويات لتضخيم قضية الولاية لأهداف معينة، حتى صدق الكثير من الناس بوجود علاقة بينهم.                              *************************              

حملة المطالبة باسقاط الولاية                       من يتتبع توقيت انطلاق الحملة فسيجدها انطلقت مع انطلاقة حملة منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية حول المرأة السعودية،

وأصبحت بعد ذلك مستمرة في مواقع التواصل الإجتماعي بشكل منظم لا عفوي وفي وسوم يومية مدفوعة الثمن. وتم في هذه الحملة اتخاذ قانون الولاية كشعار لمظالم المرأة، مع أنه بقليل من الوعي حول هذا القانون وحقيقة مسؤوليته عن المظالم الموجودة يظهر لنا أنه تم تضخيمه وإقحام كل مظلمه تحت مظلته ولا أظن ذلك لجهل من رواد الحملة بقدر ما هو تسلق على مسمى المظالم لأهداف أظنها أنانية أو بشكل أدق مشبوهة. وهذا لا يعني أن كل من تناول هذه القضية يحمل هذه الأهداف، فهناك من هو مقتنع بمحوريتها جهلاً بحقيقتها، وهناك من يرى فيها فعلاً بعض القوانين المجحفة الغير مبررة. ويظل أصحاب الهدف الأول "المشبوه" هم الفئة المسيطرة بوسائلهم المضللة والغير منطقية.                        *****************

ما يمكننا استنتاجه من المذكور أعلاه:

🔺 أن قضية قانون الولاية تم تضخيمها بشكل كبير واقحام أمور لا علاقة لها فيها، وهذا ربما يدل على وجود أهداف عند البعض تتعدى هدف إنصاف المرأة من القانون .

🔺 قضية قانون الولاية ليست قضية محورية في حقوق المرأة وإلغاء القانون بشكل تام لن يغير الكثير على أرض الواقع ولن يمنع من وقوع مظالم كالتعنيف والتعليق وغيرها والتي قد يكون حلها في إصدار قوانين خاصة تتعامل معها.

🔺 بعض القوانين في البلد ليست شرعية بحته بل وضعية من الحاكم بدعوى سد الذرائع والمصلحة والمفسدة في المجتمع مستندة على الشريعة بلا نص واضح. وبعضها اجتهادية مراعاة للأعراف السائدة ، وعلى ذلك ربما نجد من بين القوانين ما يجب مراجعته إن كان فيه اجحاف لبعض فئات المجتمع، بعد الموازنة بين المصلحة والمفسدة . فأي قانون اجتهادي يطغى فيه الضرر أو التضييق على المنفعة يسقط مستنده الشرعي.                                                *****************

الحل:

في الحقيقة البقاء على هذا الوضع الراهن المتمثل في وجود قوانين فضفاضة غامضة غير محددة ولا محسومة في البلد سيظهر لنا المزيد من المستغلين للوضع لتمرير أهدافهم المستهدفة للدين والمجتمع والوطن. وستبقى لدينا المرأة تواجه مطرقة استدراج المستغلين وسندان ضعف القوانين التي تحميها.

وستصبح مقاومة المستغلين لقضية المرأة ليست حلاً ، بل إن الواقع مع الوقت سيدعمهم، لذا لا بد من تناول الثغرات في أطرها السليمه وسدها لقطع الطريق على المتسلقين.

الحل الأمثل أراه متمثل فيما قد طرحه الدكتور خالد الصقعبي والشيخ سليمان الماجد:

وهو "إيجاد (وثيقة) يقوم بها أهل العلم الشرعي بالتعاون مع مختصين اجتماعيين يحرر فيها كل ما يخص شؤون وأحكام المرأة وما لها وما عليها، وتحرير المصطلحات المتعلقة بها ومن ضمنها مصطلح الولاية بتجرد من كل الضغوط المحيطة ". وعلى أساسها يتم نشر الوعي في المجتمع. ( والمسؤول عن هذه الخطوة هم أهل العلم الشرعي).

وكذلك نحتاج لتشريع قوانين قضائية واضحة محسومة تحمي المرأة وتنصفها في حال وقوعها تحت أي نوع من أنواع المظالم من تعنيف أو تعليق أو حرمان من الدراسة أو من الأولاد ونحوه، فكونها الحلقة الأضعف في المجتمعات فقد تكون غالباً الطرف الأكثر تعرضاً لمثل تلك المظالم، وفي ظل وجود بعض الأعراف والتقاليد السائدة الظالمة قد تكون "قوة القانون" هي الحل الأمثل لإنصاف المرأة منها، إنصافاً لا يأتي على حساب طرف دون طرف، بل يستهدف العدالة المرجوة التي جاء بها الشرع المطهر. (والمسؤول عن هذا هي وزارة الشؤون الاجتماعية والجهة القضائية المتمثلة في وزارة العدل)

فلو تمركزت المطالب على مثل هذه التفاصيل التي تضمن مجمل حقوق المرأة بأسلوب عقلاني متسق مع مبادئنا بدل محاربة قوانين غير محورية محاربة عمياء هوجاء وتضخيمها وخلط مفاهيمها لأسباب غير مفهومة، لوصلنا حقاً إلى نتاج إيجابي ملموس على الواقع ينصف المرأة وينقذ المجتمع من توجهات تمتهن التسلق على المظالم.

____________________

المصادر:

-الولاية على المرأة شرعاً وقانوناً" للشيخ سليمان الماجد.

-"القوامة الزوجية..أسبابها، ضوابطها، مقتضاها" ل د. محمد بن سعد المقرن .

-"القوامة الشرعية للرجل.. بين فقه النص وظروف الواقع" ل د.عبدالودود مصطفى السعودي.

-"قوامة الرجل وحقوقه على زوجته" للشيخ د. محمد راتب النابلسي.