مفهوم النسوية  

"النسوية Feminism" هي أيدلوجيا فكرية ظهرت بداياتها في القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية ، نتج عنها حركة تنظيمية يقوم أساسها على فرض المساواة المطلقة بين المرأة والرجل، وإزالة كل شكل من أشكال التمييز على أساس الجنس سياسياً واجتماعياً واقتصادياً دون اعتبار للفروقات النوعية والمعروف الاجتماعي. هذا الفكر في أساسه يقوم على مبادئ مرسومة "كأيدلوجيا" وليس توجه عفوي قابل للتكييف مع الثقافات.

***************

 تأصيل منهجية الفكر النسوي

مفهوم النسوية في أصله يرتكز على النظرة الحداثية المادية للإنسان كوِحدة مستقلة كِميّة أحادية البعد؛ لا علاقة لها بأسرة أو مجتمع أو دولة أودين أو مرجعية تاريخية أو أخلاقية، وإنما حاجة مادية مجردة .

من يعي هذا المفهوم سيستوعب جيداً حقيقة الفكر النسوي وسيعي سبب كون التمرد على الحدود الدينية والأخلاقية والعرفية سمة ظاهرة في من يعتنق الفكر النسوي عارفاً بأصوله،

فالفكر الحداثي العلماني يرتكز على التمحور حول الفرد، وبالتالي فالفكر النسوي يرتكز على التمحور حول الأنثى، هذا التمحور يجعل معتنق ذاك الفكر لا يأبه بأي أبعاد حوله كقيمة الأسرة أو مصير المجتمع أو احترام الدين أو التمسك بالأخلاق أو فطرة المشاركة الحياتية مع الرجل، بل هو فكر يقوم على رؤية الجنس الأنثوي على غرار نظرية "العرق الأسمى"، فكر يرى الرجل كـ نِد لا شريك، فكر يتصارع مع كل ما يعترض لمفاهيم الكمال المطلق والحرية المطلقة التي يتبناها،   فالأمومة، الأسرة، المشاركة، مصلحة المجتمع، الهوية، الدين، مصطلحات لا توجد في قاموس النسوية،      لأن تلك المصطلحات ترتكز على مفاهيم روحانية كالوفاء والتضحية والمحبة واحترام القِيَم وتقبّل متطلبات الفطرة، ولا اعتبار للمفاهيم الروحانية في الفكر المادي.

تلك النظرة المادية المتمحورة حول الأنثى جعلت قضية النسوية عبارة عن صراع في صراع؛ صراع مع الرجل صراع مع المجتمع، صراع مع الهوية قبل أن تكون استيفاء لحقوق المرأة.

لذا من يرى الفكر النسوي مجرد فكر ساعي للحقوق فحسب يحتاج لمراجعة مفهومه وتأصيله بشكل أدق. لأن الإستيعاب الكامل لأي فكر يستجد على مجتمعنا هو أساس تقييمه وبالتالي القدرة على مواجهته ومعالجته.

*****************

النسوية والإسلام

النسوية كأيدلوجيا لا يمكن أن تسير بانسجام مع حدود الإسلام دون إخلال بمبادئ أحد الطرفين، حتى وإن التقيا في بعض المبادئ فسيتعارضان في بعضها الآخر،

ليس لأن الإسلام ينتهك حقوق المرأة بل لأنه يضع حدوداً أخلاقية تنسفها النسوية ويضع فروقاً نوعية تكفر بها النسوية.

فالنسوية ترى العلاقات الغير شرعية والإجهاض حق للمرأة. وترى: قوامة الرجل- الحجاب -التعدد -تقسيم الميراث في الشرع الإسلامي شكل من أشكال التمييز الذي يجب محاربته،

فالتحيز للمرأة عند النسوية فوق التحيز للدين، لذا فإن التنازل عن مبادئ الثاني في سببل الأول له الأولوية في منهجيتها،   

وعلى ذلك فالنسوية المسلمة تجد نفسها بين خيارين، إما أن تطوّع الفكر النسوي وتتنازل عن كثير من مبادءه ليتناسب مع الإسلام، وإما أن تُغلّب الفكر النسوي على  الدين فتبدأ في طريق المروق من الإيمان والذي عادةً ما يكون أوله قدح ونقد وامتعاض وآخره كفر وإلحاد.   

**************

الحراك النسوي وردود فعل المجتمعات

لاقت النسوية في الغرب في السنوات الأخيرة ردود فعل مناهضه عديده بالرغم من جو الحريات الذي يعيشه، وذلك لاعتبارها فكر متعنصر أكثر من كونه حقوقي. حيث يقوم على فرض القناعات أكثر من احترامها. وهذا ما أشرت له سابقاً؛ حيث أن الحراك النسوي لا يساوي الحقوق، فالنسوية تسعى لفرض أيدلوجيتها على المرأة ولو انتهكت بذلك حق حرية الاختيار،                                                                فمثلاً "النقاب" أمر لا بد من محاربته دون أي مراعاة لما تعتقدة تلك المنقبة وتؤمن به.

وقد كان أبرز منحنى تشكلت بسببه توجهات مناهضة للنسوية هو تجاوز الصوت الأعلى للفكر النسوي دائرة الدفاع عن حقوق المرأة إلى دائرة اعتبار كل ذكر خصم تجوز في حقه العنصرية الجنسية بشكل لا يختلف عن التعنصر الذكوري الذي يراه كثير من الحقوقيون انتهاك.

ولا يخفى توجه الحراك النسوي  في كافة المجتمعات لمحاربة قيمة "الهرم الأسري" الذي يُعَد الرجل فيه لبنة أساسية ، ومحاولة تفكيكه باسم الاستقلالية، 

 وعلى الرغم من أن الحركة النسوية في الغرب حاربت التجارة بجسد المرأة واعتبارها كسلعة جنسية وجعلت ذلك من أبرز القضايا المرفوضة وسمتها "التشيء"، إلا أنه في الجانب الآخر ترى النسوية أن الحرية الجنسية والعلاقة الغير شرعية حق للمرأة لا يحق لأحد تقييده،

في الحقيقة ليس هناك تناقض بين المبدأين بقدر ما أن نظرة النسوية تهتم بقيمة المرأة ذاتها ولا يعنيها قيمة الأخلاق ومصير المجتمع.

**************

 النسوية في العالم العربي

يمكننا القول أن  هدى الشعراوي كانت أبرز نسوية ظهرت على الساحة العربية وقصة تمردها تغني عن كثير من التفاصيل حول مصدر استيراد الفكر النسوي للعالم العربي وطبيعته، فهدى الشعراوي ذهبت لأوروبا محجبه وعادت منها متمردة خلعت الحجاب وداست عليه ومن بعدها بدأ نشاطها النسوي الذي كان يحمل قليلاً من الحقوق وكثيراً من التمرد على الثوابت.

**************

الحراك النسوي في السعودية

الحراك النسوي الذي برز مؤخراً في السعودية على مستوى "مواقع التواصل الاجتماعي" -من منظور شخصي- لا يمكن تقبل كونه عفوياً بشكل كلي، بل مرسوم ومدعوم، لعدة ملاحظات:

🔸 أبرز رموز ورواد الحراك النسوي شخصيات تعيش خارج المملكه لكنها تطالب باستماته لتغييرات داخلية.

🔸 كثير من رموز الحراك النسوي يحملن فكر إلحادي إما باعتراف صريح أو تلميح متضمن في مهاجمة الثوابت والسخرية منها، ومن يحمل مثل هذا الفكر الذي يتحدى المجتمع في أثمن ما لديه وهي عقيدته لا يمكن احسان الظن فيه كساعي لحقوق المرأه بسبل شرعية ولأهداف إنسانية.

🔸 وجود شخصيات من جنسيات و ديانات مختلفة تركت جميع قضايا العالم وأنهكت نفسها بقضية المرأة السعودية بشكل يثير التساؤل.

🔸هذا الحراك النسوي ظهر بشكل مفاجئ دون أي ملاحظه سابقة لتراكم فكري في المجتمع يحمل هذه الايدلوجيا، وإنما فكر فرض نفسه فجأة في وسوم قد تكون مدفوعه الثمن لتصل "الترند" بشكل يومي.

🔸 القضايا التي يطرحها هذا الحراك لا أراها محورية ولو تحققت فلن تغير كثيراً من الواقع ! تضخيمها وتجاهل أولويات إنسانية في هذا الوطن لا بد أن يكون خلفه مقصد آخر !

🔸 اهتمام إعلامي غربي بشكل انتقائي بهذا الحراك الذي يرفع شعارات لقضايا فرعية رغم ازدحام منطقتنا بقضايا أساسية أكثر أهمية!

 **************

تأثير الحراك النسوي

 ربما استطاعت هذه الحملة المنظمة التأثير على بعض المتحمسات لحقوقهن واللاتي قد يكون محور اهتمامهن محصور في الحصول على حقوق بديهية لا يوجد ما يبرر منعها، ولا يعنيهن حيثيات الحراك المهم أنه قد يحقق بعض احتياجاتهن.

وهذه الفئة من الضرورة احتواءها بالحوار المبني على أساس المنطق وحدود الشرع وليس مصادمتهن بقذف التهم والإصرار على تبرير مصادرة حقوق لا أساس لحظرها في الشرع.

محاولة بعض المناهضين للحراك النسوية من المحافطين محاربة هذا التوجه بمناصرة كل ما يخالفة ومحاربة كل ما يتبناه لقصد المخالفة فقط دون عرض تلك القضايا على المرجعية الشرعية قد تنصرهم في معركة الصوت الأعلى وليس معركة الإقناع!

فلمواجهة أي فكر يصادم المجتمع في قيمه لا بد من  التسلح بالدليل والمنطق للتصدي له وليس بمجرد "مخالفة" كل ما يطرح منهم.

******************

رأيي الشخصي

أرى أن الفكر النسوي سواء في صورته الحالية أو منهجيته الأصلية فكر يهدم ولا يصلح، لأنه قائم على أساس متطرف والتطرف لا ينصر قضية، ولأنه قائم على فكر متعنصر والعنصرية لا تبني مجتمع، ولأنه متمرد على الحدود الأخلاقية وحراك بلا قيم روحية يدمر المجتمعات البشرية ولا يعمرها،

الفكر النسوي عبارة عن حرب مشرعة على الهوية، عبارة عن طريق أوله حقوق وآخره تمرد على كل شيء، على الأهل على المجتمع على الأخلاق وعلى الله عز وجل.

وأخطر مافي الفكر النسوي هو تخفيه خلف قناع الحقوق، وتسلقه على حقوق بديهية حرمت منها النساء بسبب قوانين أوعادات مجحفة، وبذلك يتمكن من صناعة القبول في العقول،

لذا كان نشر الوعي حوله بين النساء عامة والمراهقات خاصة وتوضيح هيته وكشف منهجيته ضرورة قصوى، والأهم من ذلك الإثبات القولي والفعلي أن طريق المطالبة بحقوق المرأة غير محصور في الفكر النسوي، بل هناك الكثير من السبل التي يمكن سلوكها بهدف مناصرة مظالم المرأة دون حاجة للتصادم مع الشرع أو الهوية أو المبادئ والقيم.