Image title
على اليمين صورة للكون، وعلى اليسار صورة لخلايا الدماغ.



توضيح هام : هذه الكلمات مُجرد كلمات أعجبتني فنقلتها وربطتها بصورة أُخرى تناسب محتواها .. وللتوضيح فقط فإن الكلام منقول من كتاب : رحلتي من الشك للإيمان لمصطفى محمود .. حيث أوضح الكاتب فالبداية أنه كان يعتقد أن الخالق هو المخلوق والعياذ بالله وأن الكائنات أوجدت نفسها من العدم .. وعاد مجدداً ليدحض كلامه ويغير نظرته ..


*


*


ثم بدأت أفيق على حالة من عدم الرضا وعدم الاقتناع، واعترفت بيني وبين نفسي أن هذه الفكرة عن االله فيها الكثير من الخلط .. ومرة أخرى كان العلم هو دليلي ومنقذي ومرشدي.


عكوفي على العلم وعلى الشريحة الحية تحت الميكروسكوب قال لي شيئاً آخر، وحدة الوجود الهندية كانت عبارة شعرية صوفية، ولكنها غير صادقة، والحقيقة المؤكدة التي يقولها العلم أن هناك وحدة في الخامة لا أكثر .. وحدة في النسيج والسنن الأولية والقوانين .. وحدة في المادة الأولية التي بني منها كل شيء .. فكل الحياة من نبات وحيوان وإنسان بنيت من تواليف الكربون مع الآيدروجين والأكسجين .. ولهذا تتحول كلها إلى فحم بالاحتراق .. وكل صنوف الحياة تقوم على الخلية الواحدة ومضاعفاتها.


ومرة أخرى نتعلم من الفلك والكيمياء والعلوم النووية أن الكربون ذاته وكذلك جميع العناصر المختلفة جاءت من طبخ عنصر واحد في باطن الأفران النجمية الهائلة هو الآيدروجين .. الآيدروجين يتحول في باطن الأفران النجمية إلى هليوم وكربون وسليكون وكوبالت ونيكل وحديد إلى آخر قائمة العناصر وذلك بتفكيكه وإعادة تركيبه في درجات حرارة وضغوط هائلة.


وهذا يرد جميع صنوف الموجودات إلى خامة واحدة .. إلى فتلة واحدة حريرية غُزِلَ منها الكون في تفصيلات وتصميمات وطرز مختلفة، والخلاف بين صنف وصنف وبين مخلوق ومخلوق هو خلاف في العلاقات الكيفية والكمية .. في المعادلة والشفرة التكوينية .. لكن الخامة واحدة .. وهذا سر الشعور بالنسب والقرابة والمصاهرة وصلة الرحم بين الإنسان والحيوان، وبين الوحش ومروضه، وبين الأنف التي تشم الزهرة العاطرة، وبين العين ومنظر الغروب الجميل. هذا هو سر الهارموني والانسجام !


إن كل الوجود أفراد أسرة واحدة، وهو أمر لا يستتبع أبداً أن نقول إن االله هو الوجود، وأن الخالق هو المخلوق، فهذا خلط صوفي غير وارد، والأمر شبيه بحالة الناقد الذواقة الذي دخل معرضا للرسم فاكتشف وحدة فنية بين جميع اللوحات .. واكتشف أنها جميعا مرسومة على الخامة نفسها .. وبذات المجموعة الواحدة من الألوان، وأكثر من هذا أن أسلوب الرسم واحد .. والنتيجة الطبيعية أن يقفز إلى ذهن الناقد أن خالق جميع هذه اللوحات واحد. وأن الرسام هو بيكاسو أو شاجال أو موديلياني .. مثلاُ .. فالوحدة بين الموجودات تعني وحدة خالقها.


ولكنها لا تعني أبداً أن هذه الموجودات هي ذاتها الخالق، ولا يقول الناقد أبداً إن هذه الرسوم هي الرسام!!


إن وحدة الوجود الهندية شطحة صوفي ة خرافية .. وهي تبسيط وجداني لا يُصادق عليه العلم ولا يرتاح إليه العقل، وإنما تقول النظرة العلمية المتأملة لظواهر الخلق والمخلوقات، إن هناك وحدة بينها .. وحدة أسلوب ووحدة قوانين ووحدة خامات تعني جميعها أن خالقها واحد لم يشرك معه شريكا يسمح بأسلوب غير أسلوبه ..

وتقول لنا أيضا إن هذا الخالق هو عقل كلي شامل ومحيط، يلهم مخلوقاته ويهديها في رحلة تطورها ويسلحها بوسائل البقاء، فهو يخلق لبذور الأشجار الصحراوية أجنحة لتستطيع أن تعبر الصحارى الجرداء بحثا عن ماء وعن ظروف إنبات موالية، وهو يزود بيضة البعوضة بكيسين للطفو لتطفو على الماء لحظة وضعها و لا تغرق، وما كان من الممكن للبعوضة أن تدرك قوانين أرشميدس للطفو فتصنع لبيضها تلك الأكياس!!


وإنما هو العقل الكلي الشامل المحيط الذي خلق .. هو الذي يزود كل مخلوق بأسباب حياته .. وهو خالق متعال على مخلوقاته .. يعلم ما لا تعلم ويقدر على ما لا تقدر ويرى ما لا ترى .. فهو واحد أحد قادر عالم محيط سميع بصير خبير .. وهو متعال يعطى الصفات ولا تحيط به صفات.


والصلة دائما معقودة بين هذا الخالق ومخلوقاته، فهو أقرب إليها من دمها الذي يجري فيها، وهو العادل الذي أحكم قوانينها وأقامها على نواميس دقيقة لا تخطئ، وهكذا قدم لي العلم الفكرة الإسلامية الكاملة عن االله.