لو عدنا الى تاريخ السينما نجد ان علاقته بالأدب وثيقة ومتينه منذ نعومة اضفاره..
كان الادب هو العامل الرئيسي والركيز الذي يثري السينما ويمكنها من خلال المحتوى الأدبي سواء كانت رواية او قصه او قصيده او فلسفه من خلال الكاتب المبدع الذي لديه أسلوبه الابتكاري العميق..
من وجهة نظري أمثال هؤلاء المبدعين اللذين لديهم العمق الفكري ومن خلال قراءتك لنصوصهم ذات الرؤية الملهمة وعمق حواراتهم المكتوبة وحسب أسلوب طرح الأديب لمشهد مكتوب بطريقة مجازية ذات عمق تعتقد أحيانا بصعوبة فهمك لمشاعر معينه او تحاول استيعاب اقتباس وصفي قد لاتصل لما أراد ان يوصله الكاتب فعلا اثناء كتابته لها,, او مثلا قراءتك لنص معين قد ابتدأ بتقديم ابعاد مكنون الشخصية من خلال رؤية الكاتب, قد تفهم منها العديد من المفاهيم الصحيحة وتجعلك متسائلا أي مفهوم منها هي ما يقصده الكاتب الذي قد يكون له علاقة بمشهد معين في مرحلة ما في القصة.. أحيانا قد يطلق الكاتب العنان لمخيلة القارئ ليتخيل الأحداث, ولكن مالم يكن القارئ يتمتع بمخيلة واسعه سيشعر القارئ بشيء ما مفقود قد يأثر في بعض المتعة المرجوة من القراءة الأدبية...سيتابع القارئ القراءة, ولكن بلسان حال يقول (قد يكون المعنى في بطن الشاعر او الكاتب).
#في نظري القارئ هنا هو القضية.... وهو المطالب بالقراءة كما يجب ان تكون, كما يقصدها* الكاتب او الطارح , بمعنى انه هو المستهدف وهو المقيِم وهو الناقد والمستمتع للمحتوى المطروح...القارئ هنا هو المهم بغض النظر عن جنسيته وجنسه ولغته او حجم المعرفة التي يمتلكها...فاصبح الشغل الشاغل هو كيف يتم استقبال القارئ للمحتوى الادبي كما يجب ان يكون؟
"المعنى في بطن الشاعر او الكاتب" هذه العبارة من وجهة نظري وبطريقة او بأخرى هي نقطة التحول المسببة للنقلة النوعية, هي في نظري كما قال ماركيز "اكتشاف لسر الإبداع المولود في اللحظة الحاسمة التي تنبثق منها الفكرة* التي خلقت السينما.
الكاتب والشاعر ديفيد جريفيث ورغبته الملحة فقط لتغيير الطريقة التقليدية لنقل المحتوى الادبي(الكتاب) لاستبداله بطريقةما توصل القارئ الى أعماق الرؤية التفكيرية للمحتوى كما يجب ان يكون.
جريفيث هو اول كاتب ادبي للقصة وشاعر شق طريقه الى عالم السينما, مبتكرا (قراءه) جديده للأدب بصفة عامه وللقصة والشعر على وجه الخصوص بإخراجه أول فيلم في تاريخ السينما في العالم كفن ينفرد بتقنية خاصة ووسيلة تعبير مميزة, وبغض النظر عن كونها(صامته) ولكنها كانت قمة الابداع السينمائي آنذاك , وهو فيلم مولد امه الذي انجزه عام 1915م.
وفي ظل ضعف الإمكانيات لصناعة السينما المبتكرة في ذلك الوقت الا انه يعد وفقا لمؤرخي السينما ضمن افضل مائة فيلم في العالم, بمعنى ان الفيلم كان ناجحا بسبب اتحاد الرؤية الأدبية من المحتوى الذي كان جزء منه لجريفيث وكذلك الإنتاج والإخراج*مما أدى الى وصول الطرح للمشاهد كما ينبغي.. عندها اعتمدت السينما بانها الأداة المتفردة لنقل المحتويات الأدبية للقارئ بالمشاهدة.
وبعد اكثر من مائة عام وفي فلم مولد امه المنتج في 2016 الذي كان فيه نات باركر بطل الفيلم (ممثل) ومشارك في الكتابة وفي الإنتاج وهو من كتب السيناريو وهو المخرج ، الفيلم الذي نجح نجاحا باهرا وترشح للأوسكار . ما اقصده هو نجاح الفيلم عندما تتوحد جميع عناصر صناعة الفيلم ،بغض النظر عن دور الشخص المتكرر في العديد من عناصر صناعة الفيلم.
ولذلك يثبت لي نظريتي الخاصة
# طردية العلاقة بين توحيد الرؤية لكل من المنتج والمخرج والكاتب والممثل وبين جودة المحصلة الفنية.
وأخيرا استطيع ان أقول بانه قد وجد الادب ضالته في السينما كالأداة المثالية ذات الجودة الترفيهية في النقل الشامل للأدب بجميع اشكاله ومحتوياته وموضوعاته والتي تأخذ بالاعتبار دورها الترفيهي بالتبسيط والتسهيل على القارئ المشاهد للنصوص الأدبية وتفادي صعوبة استيعاب بحور بلاغته, والاستمتاع برؤية العباقرة باتساع افاقهم الإبداعية في طرح محتوياتهم الفكرية العميقة و نصوصهم البليغة , وتمردهم على الكلمات في وصف وتصوير المشاهد من خلال النص في اطروحاتهم, إضافة الى مراوغتهم في الاقتباس المجازي بالتعبير الفلسفي , وعلى قدر صعوبة توصيل كل ذلك القدر من خلال الكتاب لشريحة محبي الادب وقراءته والاستمتاع به كما يجب ان يكون الا انه كان من السهل على السينما ان توصل الادب سواء لشريحة محبيه او غير محبيه او الى كافة شرائح المجتمع.
#استطيع ان أقول بان الفـــــــــن* هو النتيجة المستهدفة من العلاقة الإبداعية المتحدة بين إمكانيات السينما ومدى روعة محتواها الأدبي.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------