التمييز الحق الذي يدخل أعماق النفس ويحرك السلوك
سهير الخالدي
من بين النعم الكثيرة وأفضلها التي منَ الله بها على الإنسان هي نعمة العقل، التي فضلته وميزته عن سائر المخلوقات، وإن هذه النعمة هي من آثار التكريم الإلهي للإنسان حيث فضله على كثير من خلقه، قال تعالى: " ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".
وبهذا العقل، إستخلف الله (جلت قدرته) الإنسان في الأرض لعمارتها واستصلاحها، ولو لم يكن للإنسان عقلاً يدرك به أ سباب وجوده لما كان لوجوده أي منفعة أو فائدة. كما أن العبادات التي شرعها الله وفرضها على الناس في كل الأديان التي أنزلها، كان من أول شروطها أن يكون الإنسان عاقلاً وبالغاً، وكذلك المعاملات في الحياة، والعقود بين الناس بمختلف أصنافها، لا تكون قانونية وملزمة إلا إذا كان جميع أطرافها عقلاء , وهنا أصبح حتماً علينا أن نستغلهُ في تمييز الحق من الباطل , وليس هذا فقط بل العمل بالحق وترجمتهُ إلى سلوك في حياتنا الدنيا لأنها مزرعة الآخرة ومسرح الأعمال الصالحة التي نجني ثمارها أجراً يوم القيامة،وكم من علمائنا العاملين من أرشد إلى هذا الطريق والعمل بهِ وخير مثال في وقتنا هذا العالم الرباني السيد الصرخي الحسني "أدام الله فيض علمه" فطالما كانت له بصمات كثيرة في هذا الشأن والحث عليهِ والعمل بهِ وهو تمييز الحق من الباطل وترجمتهُ إلى أفعال في شتى أعمالنا فقد جاء في السلسلة الذهبية في المسيرة المهدوية الحلقة (7) – بحث : (الاستعداد لنصرة الإمام المعصوم ) للمحقق الأستاذ الصرخي:
"بعد أن عرفنا نعم الله علينا وتفضّله لتشریفنا بالعقل ومیَّزنا به عن البهائم فالواجب أن نشكر نعم الله علينا وأن نستعمل العقل ونستغله فيما وُضع له من التمييز بين الحقّ والباطل، ومن الواضح أننا لا نرید بالتمییز مجرد التمییز الذهني الفارغ من التأثير على النفس ومشاعرها؛ فإنّ مثل هذا التمییز لا نتصور فیه ترتیب الثواب أو حصول العقاب عليه أو على عدمه؛ بل المراد التمییز الذي یدخل إلی أعماق النفس والذي يحرّك فيها حرارة العاطفة والمشاعر تحريكًا يدفع إلى السلوك المتناسب مع المفهوم الحقّ الذي أدركه العقل وذلك التمييز للعقل."
وختاماً فقد اقتضت حكمة الله أن يبقى الحق والباطل في صراع إلى يوم الدين، والنتيجة الحتمية لهذا الصراع محسومة سلفا لصالح الحق وبالضربة القاضية، بما يحمل من قوة ذاتية تجعل الباطل لا يصمد أمامه أبدا، لكن الباطل قد ينجح في كسب بعض الجولات أو في إطالة أمد الصراع، معتمدا في ذلك على أمرين اثنين أولهما، غفلة أصحاب الحق وتقصيرهم في القيام بواجبهم ،ففشل المحامي قد يؤثر على نجاح القضية وإن كانت عادلة, وثانيهما ،أن الباطل يسرق من الحق شكله ويتقمص شخصه ويحاول أن يلبس لباسه، مما يكسبه بعض القوة، سرعان ما تتبدد حينما يشتد النزاع ويحمى الوطيس، فيحق الحق ويزهق الباطل( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).