منذ القرن التاسع الميلادي، بدأت تبرز في الأندلس نهضة ثقافية مست مختلف المجالات، وقد أقبل النصارى كما المسلمين على النهل منها، ونظموا الشعر والموشحات، بل وكان منهم كبار شعراء البلاط، مثل ابن المرعزي الاشبيلي، شاعر ومداح المعتمد بن عباد. والواقع أن تمكن النصارى من اللغة العربية كان على حساب اللغة اللاتينية التي اقتصر دورها على المجال الديني، وعلى أداء الطقوس في الكنائس. ويقدم الراهب ألفاروا القرطبي الذي عاش في القرن التاسع الميلادي، شهادة معبرة، حول هذه النقطة جاء فيها: “كثيرون من أبناء ملتي يقرأون أشعار وقصص العرب، ويدرسون كتب علماء الدين والفلاسفة المسلمين ليس لدحضها وإنما ليتعلموا منها كيفية التعبير بالعربية بطريقة سليمة وأنيقة. أين يمكن العثور على عالم قادر على مناقشة النصوص المقدسة باللاتينية؟ من ذا الذي يقدر على قراءة الأناجيل، وماتركه الرسل والأحبار؟ وا أسفاه! كل الشبان المسيحين الذين أثبتوا نبوغهم لا يعرفون إلا اللغة والأدب العربيين، يقرأون ويدرسون بحماس كتب العرب، وينفقون الأموال الطائلة من أجل تكوين خزانات كتب بالعربية، وحيثما حلوا يعلنون بأعلى صوتهم، أن أدب العرب جدير بما يكنونه له من إعجاب…”.