مع احراق البوعزيزي نفسه التهبت المنطقة بأسرها فتهاوت انظمة وسقطت هامات وقدمت آلاف الضحايا وآلاف الجرحى والمعوقين, هدمت مبان ودور عبادة, شلت عمليات البناء, انتشر السلاح بين العامة كانتشار النار في الهشيم ووقع في ايد لا تعرف قيمته او لنقل اساءت استخدامه, تحولت المنطقة الى ساحة معارك بين ابناء الوطن الواحد لمجرد الاختلاف في الرأي واستخدمت كافة انواع الاسلحة .

اهدرت اموال كثيرة بقصد وعن غير قصد,فلم يعد هناك حسيب او رقيب وحجتهم في ذلك ان الانظمة السابقة سرقت الكثير ,تردّى الوضع الامني,انخفضت مداخيل السياحة لبعص الدول بسبب اعمال العنف,اقفلت مصانع ,نهبت محتوياتها توقفت الخدمات العامة,انقطعت المياه والكهرباء نتيجة اعمال التخريب الممنهجة,كثرت المظاهرات المطالبة برفع الاجور وتحسين الوضع المعيشي,فأصبحت الخزائن خاوية تستجدي صندوق النقد الدولي لترتمي في احضانه او لتأخذ هبات من دول اخرى وبالتأكيد ليست بدون مقابل.

هذه حال الدول التي كانت شعوبها تتوق الى مستقبل واعد حافل بالإنجازات التي لم تتحقق على مدار عقود, وتخيّل المواطن انه سيعيش ربيعا دائما بعد سنوات الظلم والجور,اصيب بخيبة امل مما يجري, فعلى الرغم من مرور اكثر من ستة أعوام لم تتحسن الامور بل ازدادت سوءا افاق من هول الصدمة, ايقن انه يعيش في صحراء قاحلة اقتلعت ما بها من اشجار بفعل البشر المتحررين حديثا,انها غابات عامة لم يعد من يهتم بها, المطر لم يعد ينزل كما كان, بل ارتفعت الاتربة  في عنان السماء بدل بخار الماء, تكونت حبيبات اكبر من قطرات المطر لم يستطع الهواء حملها,تساقطت في كل الارجاء,غطت الطرقات,اجبرت الطائرات على عدم الاقلاع او الهبوط, فصارت حجارة من سجيل من تصب تمته...

 تمددت اسلاك الكهرباء فأحدثت تماسا تسبب في انقطاع التيار الكهربائي, انقطعت المياه والأخبار,اصبح المواطن في سجن اختياري ,اصوات الاسلحة المختلفة عابرة للزمان والمكان,تصرفات البشر لم تعد كما كانت (يا اخي قد اصبح الشعب إله!)  في بلادي صار أكثر من نمرود، المواطن العادي هو العصفور المقصف الجناحين وصار يعيش خارج الزمان والمكان، في بلادي صار أكثر من قارون وأكثر من فرعون، اصبحت بلادي بلد الجبارين والعتاه والمجرمين.

ارتوت الارض بدماء كلا الجانبين المتناحرين وبدلا من ان تنبت الورود والرياحين(روضة الشهداء) انبتت شوكا يدمي من يمتد اليه, فانعزل كل فريق عن الاخر وأصبح التواصل بينهما شبه مستحيل ازداد الحقد الاعمى وصار كلا منهما يدبر المكائد والدسائس ليوقع بالطرف الاخر ويقضي عليه نهائيا وكأنما البلد خلق لأحدهما ولا يتسع لكليهما ففي كل يوم ينزف دم جديد ويسقط جريح او قتيل على مذبح العبودية وامتهان الغير والإنقاص من قيمته وكأن الفريقين من كوكبين مختلفين.

الربيع لم يزر بلادي منذ اعوام فلا ازهار ولا ثمار ولا اودية سالت, بل اشواكا على امتداد تراب الوطن, فمن يزرع الشوك يحصده ويظل حبيس افكاره الجهنمية وقد يكون اول من يدفع الثمن ان لم يعد الى رشده.

[email protected]