اختار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب لحظة سياسية دقيقة يمر بها الوطن العربي والإسلامي للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعلى الرغم من الحماقات التي لا يكف ترمب عن ارتكابها فإنه أظهر في هذا الاعتراف -هو وإدارته- نوعاً من الحنكة.

فهذا الإعلان جاء في ظل الخلافات المستمرة بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغربية، والحرب الأهلية في ليبيا واليمن والصومال، ونزاع مصر مع السودان وإثيوبيا حول مياه نهر النيل، والاقتتال الدائر في سوريا، وحالة الاضطراب وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي التي تشهدها بلاد الرافدين والأردن ولبنان جراء الحرب على تنظيم الدولة الإرهابية في العراق والشام، وكذا استقبال عدد مهول من اللاجئين الفارين من ساحات القتال ومن جحيم الحرب التي تشهدها سوريا منذ أكثر من ست سنوات.

وقد شكلت مقاطعة 12 دولة عربية وإسلامية لدولة قــطــر بقيادة المملكة العربية السعودية في الخامس من (يونيو/حزيران) 2017، بدعوى تمويل الإرهاب واحتضان الإرهابيين والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وكذا العلاقات الثنائية بين دولة قطر والجمهورية الإسلامية الإيرانية، آخر مسمار يُدق في نعش العالم العربي والإسلامي، لتنضم بذلك دول الخليج، بدورها، إلى مصاف الدول المتصارعة والمتطاحنة في ما بينها، ناهيك عن الصراعات القائمة أصلا منذ عقود بين الفلسطينيين والاحتلال الصهيوني الغاشم، بالإضافة إلى التطبيع العربي والإسلامي غير المسبوق مع إسرائيل على المستوى السياسي والاقتصادي.

انشغال العرب والمسلمين ببعضهم البعض كثيرا، وإهمالهم لقضية فلسطين عامة، والقدس خاصة، ساهما -من قريب ومن بعيد- في جعل الطريق معبدة ومفروشة بالورود أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ليتجرأ ويعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل وعزمه على نقل سفارة بلاده إليها، في تحدٍّ صارخ للمواثيق الدولية، خصوصاً قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيضاً في تحدٍّ لجميع زعماء العالم، خاصة منهم ملوك وأمراء ورؤساء وزعماء الدول العربية والإسلامية الذين أظهروا فشلهم الذريع في مواجهة قرارات الولايات المتحدة، وبالتالي الانصياع والولاء لها، واكتفوا بالاجتماع، كعادتهم، وإصدار بيان مشترك ينددون ويستنكرون ويشجبون ويستهجنون فيه ما جاء على لسان رئيس أقوى دولة في العالم، وأجمعوا على أن خطوات كهذه ستساهم في تقويض عملية السلام دون أي إجراء عملي وميداني يذكر.

ووقوفاً عند القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت يومه الخميس (7 دجنبر/كانون الأول 2017) التي دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل بحث سبل الرد على القرار الأمريكي، كان من اللافت للنظر مستوى التمثيل المنخفض لدول عديدة؛ وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، التي أرسلت وزراء دولة لتمثيل بلدانها، بالإضافة إلى الجمهورية المصرية، التي شهدت علاقتها مع تركيا في السنوات الأخيرة توترات وخلافات. كما سجل المغرب حضورا ضعيفا رغم أنه يتولى رئاسة لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، وقد اكتفت الرباط بإيفاد كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وانتهج المغرب خلال القمم العربية والإسلامية الأخيرة نهج التمثيلية المنخفضة تعبيرا منه عن احتجاجه على القمم العربية والإسلامية، التي لم تعد تتخذ أي قرارات صارمة في القضايا التي تتداولها.

وقد عكس مستوى التمثيل المنخفض، خصوصاً لدى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجمهورية المصرية، مدى أهمية قضية القدس بالنسبة إليهم، بحكم أن هذه الدول تلعب دوراً جوهرياً، بل أساسياً، في القضية الفلسطينية عموماً، وقضية القدس على وجه الخصوص، وقد أكد بالملموسِ غيابُهم عن أشغال القمة الآنية تواطؤهم، بطريقة أو بأخرى، مع قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب، ما يوحي بانقسام وفقدان الدول العربية والإسلامية جمعاء للبوصلة وتأثيرها في العالم.

مع الأسف الشديد والعميق، إن عدم اتخاد أي إجراء قوي يصب في مصلحة فلسطين، ينذر بأن الشعب الفلسطيني سيستمر في المعاناة ودفع الضريبة وتأدية الثمن باهظاً نتيجة طغيان وتجبّر الاحتلال الصهيوني الغاشم واستمراره في مصادرته أراضي الفلسطينيين وإقامة المزيد من المستوطنات، والاعتقالات العشوائية والعبث بمقدسات أرض ثالث الحرمين، من جهة، ونتيجة التخاذل والتواطؤ الناتج بالأساس عن جبن حكام العرب والمسلمين، من جهة ثانية.