Image title
الزغيبي وإلى جواره الرئيس المصري السادات

18 ربيع الآخر 1433هـ = 11 مارس 2012م وفاة السفير محمد المرشد الزغيبي ([1])

تُعد أسرة الزغيبي واحدة من الأُسر الشهيرة، التي نزحت منذ وقت مبكر من المدينة المنورة إلى القصيم، خاصة عنيزة، ثم عاد بعض أفرادها إلى المدينة المنورة، وأشهرهم الشيخ صالح الزغيبي، الذي ولي إمامة الحرم النبوي الشريف.




في عام 1330هـ 1911م ولد في المدينة المنورة محمد المرشد الزغيبي، ونشأ في بحبوحة من العيش الرغيد، فقد كان والده زعيماً للعقيلات القاطنين في المدينة المنورة إبان حكم الأشراف والأتراك. وفي حي «المناخة» نشأ محمد في بيت كبير يتكون من ثلاثة طوابق، حيث كان والده يعمل كأحد وكلاء الملك عبدالعزيز إضافة إلى عمله في التجارة، بعد ضم المدينة المنورة إلى حكم الملك عبدالعزيز.

في عام 1335هـ تعرضت المدينة المنورة لمضايقات وحصار من قبل الشريف فأمر واليها التابع لحكومة الدولة العثمانية الأهالي بمغادرتها بعد أن كادت تتعرض لمجاعة وهلاك بعض الناس فيها ، تم ترحيل أهلها الى الشام وفلسطين وسوريا عن طريق القطار وبعضهم هرب نحو القرى والمدن المجاورة مثل الحناكية وينبع ، حينها قام مرشد الزغيبي بترحيل أسرته إلى عنيزة، وفي الطريق مرض مرشد الزغيبي ووافته المنية، قبل أن تصل أسرته إلى عنيزة وتستقر فيها.

في عنيزة، التحق محمد الزغيبي بكتاتيبها ودرس فيها، وبعد أن بلغ الخامسة عشرة من عمره، قدِم خاله الشيخ صالح الزغيبي، إمام المسجد النبوي الشريف، محاولاً إقناع أخته بأن يعود معه ابنها محمد إلى المدينة المنورة، حيث فرص التعليم والعمل أكثر وأفضل، وبالفعل انتقل محمد مع خاله إلى المدينة المنورة تاركاً والدته وأختيه في عنيزة، لينتقل إلى طور آخر في حياته، ما بين العمل في دكان خاله في العنبرية والدراسة الدينية في المسجد النبوي الشريف. وبعد أربعة أعوام يرافق الشيخ محمد ابراهيم الزغيبي مدير خفر السواحل في جدة للعمل هناك ، وتلقى العلم استزاده من معلم تركي يعلمه ، استأجر بيتاً واستقر به بعد أن أحضر والدته من عنيزة ثم عين كاتباً في خفر السواحل وذلك في 6 يناير 1931م بمرتب فدره خمسون ريالا.

نقلت خدماته إلى الشعبة السياسية في الديوان الملكي وذلك عام 1939م ، بعد فترة تم ترشيحه لبعثة تدريبية لدراسة الأرشيف وتعلُّم الكتابة على الآلة الكاتبة في القاهرة، فذهب إليها بتاريخ 25 / 3 / 1939م، ولمدة ستة أشهر، عاد بعدها متزوداً بشهادة دبلوم بخبرة إدارية وتنظيمية، ولعله هو السعودي الأول الذي درس الأرشيف وتنظيماته وامتهن الكتابة على الآلة الكاتبة. وقد عاد ليبدأ في تنظيم سجلات وملفات الشعبة السياسية وأرشفتها، وله الفضل في وضع أولى تنظيمات الأرشفة والفهرسة في الديوان الملكي وشُعبه الملحقة به، وهو ما استفادت منه بعض الإدارات الأخرى من خارج الديوان الملكي.

 تزوّج من عنيزة، وعاد إلى الرياض مع زوجته ووالدته.

تم تكليف محمد الزغيبي بمهمة تفتيشية في منطقة عسير، ونظراً لمشقة الطريق وصعوبة الوصول إلى تلك المنطقة، إضافةً إلى أنه سيترك عائلته الصغيرة لوحدها أثناء قيامه في هذه المهمة، حاول الاعتذار من رئيسه فلم يقبل عذره، فتمكَّن في اليوم التالي من الدخول على الملك عبدالعزيز والمثول بين يديه، فشرح له أمره ورجاه بأن يعفيه من مهمته، شارحاً له ظروفه العائلية، فقال له الملك عبدالعزيز: (حنا اللّي نبيه نلوّح له واللّي ما نبيه نروّح له)، مردفاً قوله الشهير: (الحزم أخو العزم أبو الظفرات). ويأمره الملك بالانصراف وتنفيذ المهمة، فما كان منه إلا السمع والطاعة لأمر سيده ومليكه، فيذهب إلى عسير في عام 1363هـ الموافق 1943م، ويؤدي مهمته على خير ما يرام.

في عام 1371هـ 1952م انتقل إلى جدة حيث عمل سكرتير أول في وزارة الخارجية ،في عام1373هـ 1954م عُين مستشاراً في السفارة السعودية بمصر، وكان السفير وقتها الشيخ عبدالله الفضل .

وبعد وفاة الفضل عين الشيخ ابراهيم العقيل سفيراً لمصر ثم في عام1380هـ، الموافق 1961م، عين الزغيبي سفيرا في فترة هي من أصعب الفترات وأحرجها في العلاقات السعودية المصرية، لاسيما بعد التدخّل المصري في الشأن اليمني بعد الثورة اليمنية التي قادها عبدالله السلاّل، وما تلا ذلك من أحداث متسارعة، قوّضت العلاقات وأزمتها، لتقوم المملكة باستدعاء سفيرها في القاهرة، ليعود محمد الزغيبي إلى الرياض منتظراً ما ستسفر عنه الأيام القادمة والأحداث الجارية على حدود بلاده مع اليمن.

في شوال 1381ه مارس 1962م عين وزيراً للمواصلات ولم تدم الفترة الوزارية لمحمد الزغيبي كثيراً، إذ أُعيد تشكيل الحكومة بعد أشهر، وبرئاسة الأمير فيصل بن عبدالعزيز، ولي العهد ووزير الخارجية، إثر مغادرة الملك سعود إلى الخارج مستشفياً، فغادر الزغيبي وزارته، وتقاعد وعاد إلى جدة واستقر بها إلى أن مات بعد قرن كامل ، ظل بها يعمل على قضاء حوائج الناس ويستشفع لهم ويساعد بأعمال خيرية وماليه كثيرة رحمه الله  . وقد منّ الله عليه بعدد من الأبناء والبنات. وقد صدر عام 1437هـ 2016م كتاب تحت عنوان (السفير الوزير محمد مرشد الزغيبي من الصحراء إلى ضفاف النيل ) للدكتور خالد محمد باطرفي .قال عنه مؤلف كتاب "أعلام بلا إعلام" عبدالرحمن الشبيلي: «ومن الشخصيات المتوارية عن الأضواء، الممعنة في نكران الذات والتواضع رغم ما احتلته في يوم من الأيام من مكانة إدارية وسياسية واجتماعية رفيعة، وما تحتله اليوم هو الشيخ محمد المرشد الزغيبي».ويعمل الآن ابنة أحمد محمد الزغيبي سفيرآ للملكة العربية السعودية في رومانيا.




([1])-  المجلة العربية 472 جمادى الأولى 1437هـ فبراير 2016م . صحيفة عكاظ الثلاثاء 20ربيع الآخر 1433 هـ 13 مارس 2012م العدد : 3922 .