في تقرير خاص نشرته صحيفة آسيا تايمز، وصف الاقتصادي ديفيد غولدمان المعروف باسم (سبنغلر)، معدل الخصوبة في إيران الذي انخفض من نحو سبعة أطفال للأسرة الواحدة سنة1979

إلى 1.6 طفل في العام 2012 بأنه لغز ديمغرافي. أضاف الباحث أنه لم يحدث في التاريخ المدون بأن انخفض معدل الولادات في دولة كبرى بمثل هذه السرعة، مؤكدا بأن السكان الايرانيين يمضون نحو الكهولة بمعدل أسرع من أي مجتمع آخر في العالم.
 
رأى الكاتب أن من بين أبرز العوامل التي تؤثر في بروز ظاهرة كهولة المجتمع في إيران هو المعدلات المرتفعة للعقم التي تميز إيران اليوم عن أي دولة أخرى في العالم. وتشير الاحصائيات الرسمية الإيرانية إلى أن معدل العقم في البلاد يتراوح ما بين 22-25 بالمائة، أي أن ربع المتزوجين الايرانيين غير قادرين على الانجاب.

بالمقارنة، تصل معدلات العقم في أوروبا إلى 11 بالمائة، وفي الهند 15 بالمائة. غير أن الاحصائيات الايرانية في هذا المجال هائلة وهي أكثر شمولا من معظم البلدان لان الحكومة الايرانية كرست موارد هائلة في محاولة التعرف على المشكلة وإيجاد الحلول الخاصة بمعدلات العقم المرتفعة في البلاد.

وقد اعتقد بعض الباحثين بأن الزواج بين الاقارب قد يكون سببا وراء انتشار العقم مدى الحياة، غير أن هذه الفرضية اثبتت فشلها بسبب ما أكده باحثون آخرون بأن معدل الزواج بين الاقارب في إيران هو أقل بمعدل 25 بالمائة مما هو عليه الحال في معظم بلدان الشرق الأوسط في حين أن معدل الخصوبة في العراق يبلغ أربعة أطفال للاسرة الواحدة، وهو أكثر من ضعف المعدل الايراني.

أن ثمة سببا أكثر احتمالا وراء المعدل المرتفع جدا للعقم في إيران يرجع إلى انتشار الأمراض الجنسية المعدية، ولا سيما مرض بكتيريا الكلاميديا الذي يكثر في البلدان التي تنخفض فيها مستويات نظام الصحة العامة. وعلى الرغم مما يبدو من تناقض في حالة الجمهورية الاسلامية الايرانية والتي تطرح نفسها بوصفها الوصي على التقاليد الاجتماعية ضد الانحطاط الاجتماعي الغربي، فأن الاحصائيات الرسمية للحكومة الايرانية تدعم هذا الاستنتاج إلى حد كبير.

ففي دراسة علمية اعدها فريق من الباحثين الايرانيين عام 2013 تحت عنوان “آثار التهاب الكلاميديا على الخصوبة” لاحظ الباحثون الإيرانيون انتشار المرض المذكور بمعدل 12.6 بالمائة لدى النساء في طهران، فيما أظهرت دراسة أخرى العدوى بمعدل 21.25 بالمائة لدى النساء اللائي يراجعن مستشفى الشهيد بهشتي في اصفهان. خلافا لم تقدم، تبلغ نسبة انتشار الكلاديميا في الولايات المتحدة بنحو 643 حالة لدى كل مائة ألف سيدة أمريكية، أو بمعدل انتشار يبلغ 0.6 بالمائة فقط، في حين بلغ معدل انتشار المرض عالميا سنة 2008 بنحو 4.3 بالمائة استنادا إلى احصائيات منظمة الصحة العالمية.

وتشير الاستنتاجات الأولية بأن إيران تحتل النسبة الأعلى في العالم لحالات العقم مدى الحياة لأنها تمتلك أعلى معدل في العالم لانتشار الأمراض الجنسية المعدية. وكانت السلطات الإيرانية قد اطلقت تحذيرات مخيفة بشأن انتشار الاوبئة الجنسية حيث نقلت منظمة مفتاح الايرانية في وقت متأخر من سنة 2013 عن وزير الصحة الإيراني حسن هاشمي قوله في مناسبة اليوم العالمي لمرض الايدز (1 ديسمبر) بأن إيران تواجه ازديادا مأساويا في الحالات المشخصة لمرض فقدان المناعة المكتسبة (ايدز) حيث لاحظ بأن بلاده سجلت خلال الاحدى عشرة سنة الماضية ازديادا بمعدل تسعة اضعاف في حالات الايدز. وحذر الوزير الايراني من أن غياب التثقيف الجنسي وانتشار المحرمات الاجتماعية بشأن الامراض المنتقلة جنسيا في المجتمع الايراني تعد من العوامل في هذه المنحى الخطير.

وبعد مضي بضعة أسابيع عن التصريح المذكور، وبتاريخ 18 ديسمبر تحديدا، تصدرت أنباء ارتفاع معدلات تفشي الامراض الجنسية في إيران صدر الأخبار المحلية حين أعلن مصطفى اقليما، رئيس جمعية العمال الاجتماعيين لوكالة أنباء العمال الايرانية بأن البلاد تعاني من تفشي مرض Genital Warts المعروف علميا باسم الثؤل التناسلية وأن نحو “مليون شخص اصيبوا بهذا الفيروس”. ووصف اقليما الوباء بأنه “أكثر خطورة من الايدز” ولاحظ بأن اعداد المرضى الذين عالجهم شخصيا خلال هذا العام يفوق عشرة أضعاف اعداد من عالجهم العام الماضي. وتتناقض هذه الصورة بشكل هائل مع الصورة التي تعرضها الجمهورية الايرانية الاسلامية عن نفسها في الغرب، غير أنها متطابقة تماما مع الشكاوى التي يعلن عنها المسؤولون الايرانيون بشأن الانتشار الكثيف للأمراض الجنسية المعدية. وفي الوقت الذي يحظر فيه ممارسة الجنس خارج إطار العلاقة الزوجية في إيران، فأن نظام (سيغة) التي تعتمده المؤسسة الشيعية الايرانية الخاص بالزواج المؤقت (زواج المتعة) يتيح للإيرانيين الدخول في علاقة جنسية بموافقة رسمية وموافقة رجال الدين. إلى ذلك ذكرت وكالة خدمة انباء شرزاد الايرانية عام 2014 ما يأتي:

“اظهرت الارقام الصادرة عن المكتب الوطني للاحصائيات الإيراني بأن (سيغة) أو (زواج المتعة) أو الشراكة المؤقتة بازدياد مطرد، في حين أن المجتمع يشهد تضاؤلا تدريجيا في معدل المتزوجين بالطريقة التقليدية. وطبقا لما ذكره نائب وزير العدل، فقد ازدادت معدلات زواج المتعة بمعدل 28 بالمائة في العام 2012 وازدادت بمعدل 10 بالمائة اضافية في النصف الأول من هذا العام. وصرح عالم الاجتماع مصطفي اغليمة للوكالة قائلا: إن زيادة معدلات زواج سيغة (المتعة) على حساب الزيجات السليمة يعني انهيار الحياة الاسرية وقيمها الثقافية”.

وفي الوقت الذي يتعذر فيه العثور على احصائيات رسمية بمعدل العلاقات التي تتحق عن طريق زواج المتعة في إيران، غير أن مصادر غير رسمية، مثل موقع (تريند) الاذربيجاني، ينقل عن احدى الصحف الايرانية المحلية (شارغ) قولها على سبيل المثال أن “نحو 84.5 بالمائة من الايرانيين البالغين من العمر بين 18-29 سنة يؤيدون الزواج المؤقت (زواج المتعة) بالاستناد إلى احصائية صادرة عن وزارة الشباب والرياضة الإيرانية”. ووفقا للدراسة المذكورة فان استفتاءً أجرته الصحيفة على عينة تضم (3000) شاب في 14 مدينة إيرانية أظهرت بان 62.9 بالمائة منهم يتجنبون الزيجات المؤقتة خوفا من تلطيخ سمعتهم. غير أن هذا الاستفتاء يعني أيضا أن 37 بالمائة من الشباب الإيرانيين يفضل زواج المتعة.

إضافة إلى ما تقدم، يبدو أن الدعارة منتشرة في إيران أيضا، وعلى الرغم من عدم توفر الاحصائيات الرسمية بهذا الشأن سوى ما تؤكده السلطات الرسمية من أن الظاهرة تشكل مشكلة اجتماعية خطيرة.

ويبدو أن الزعماء الايرانيين يدركون جيدا تداعيات الشيخوخة السريعة لمجتمعهم؛ حيث قال الرئيس الايراني الاسبق محمد أحمدي نجاد بأن النساء الايرانيات اللائي يمتنعن عن الحمل مذنبات بارتكابهن “ابادة بشرية” بحق البلاد حيث قال “إن طفلين لكل اسرة بمثابة صيغة لفناء الامة وليس لبقائها… وتظهر أحدث الاحصائيات بأن ثمة 18 طفلا فقط لكل عشرة أزواج إيرانيين الأمر الذي ينبغي أن يدق ناقوس الخطر بين أبناء هذا الجيل… هذه هي علة الغرب. إن النمو السلبي للسكان من شأنه أن يؤدي إلى انقراض هويتنا وثقافتنا. إن قبولنا بهذا الواقع يضعنا على الطريق الخطأ. إن الرغبة بمزيد من الاستهلاك عوضا عن انجاب الاطفال هو إبادة بشرية”.

من جانب آخر، تشجع إيران عمليات أطفال الانابيب كحل للعقم، حيث تقول السيدة موافيني في دورية شؤون خارجية: بأن النساء يتحدثن عن أطفال الأنابيب في محطة التلفاز الحكومية، في حين ينصح المتزوجون بالاتصال بالمختصين بهذا الشأن ويتبادلون القصص على الانترنت، كما بدأ الاطباء الممارسون بحث شركات التأمين على تغطية العلاج. وفي هذه الأثناء، تقدم الدولة الدعم للعيادات المختصة بهذا العلاج الأمر الذي جعل من كلفة العلاج بالأنابيب في إيران أقل كلفة مقارنة بجميع أنحاء العالم حيث تبلغ قيمة كامل العلاج الخاص بأنابيب الأطفال بما في ذلك العقاقير ما يعادل 1500 دولار فقط.

ويبدو أسلوب علاج اطفال الانابيب كهبة من الله للمتزوجين غير القادرين على الانجاب، غير أن ذلك لا يتوقع أن يكون له تأثير كبير على الاعداد الاجمالية للايرانيين. إن مشكلة غياب الاطفال في إيران تنبع، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من حالة شذوذ وطنية عميقة ومستعصية، ومن فقدان الفرد لشعوره بأنه يمتلك هدفا في بلاد لا تتمتع فيه قيادته الثيوقراطية (الدينية) بالدعم من قطاعات الشعب تماما كما كانت عليه حالة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي في عقد الثمانينات.

نعرف تماما كيف ستنتهي هذه الحالة: سوف ينهار الاقتصاد الإيراني بعد جيل من الآن تحت سيل من جيل من المسنين الذين يحتاجون إلى رعاية. غير أن ما لا نعرفه هو ما الذي سيحدث لحين الوصول إلى هذه النهاية. إن الوضع في إيران لا سابقة له بين بلدان العالم. الإيرانيون يعرفون من الناحية الحسابية بأن لا مستقبل لهم. وعليه فأن قيادتهم تشعر بأن ليس لديها ما تخسره على صعيد المغامرات الدولية، الأمر الذي يعني بأن على بقية العالم ألا يغامر مع إيران.