لم يكد يبدأ التفكير والنقاش والتطبيق الدائر حول خطة العمل من أجل ليبيا المقترحة لإخراج ليبيا من الصراعات السياسية، إلا أن نرى كامل تأسفنا من تدهور القضية الليبية من وضع سيئ الى وضع أسوأ منه، وازدياد حالة الفوضى في ليبيا تعقيدا مع مرور الأيام، حتى وصلت إليها ليبيا في الآونة الأخيرة الى أزمات اقتصادي ومالي خانقة.
ذلك في عدم وصول الأطراف السياسية الليبية بالقضية الليبية الى وحدة شمل الأطياف الطيف الليبية التي من شأنها أن تقود ليبيا الى وحدة التراب ورؤية الهدف و الصمود صفا واحدا مع الالتزام الوطني الكامل من اجل ليبيا الكبرى بغض النظر الى التوجهات السياسية الأيدلوجية التي في بعض الأحيان تحول دون تحقيق الأهداف الوطنية الشاملة.
تجدر الإشارة الى القضية الليبية الى وعود عقليات ثقافية مصقولة في الاستخلاف والتمكين الى الأيام والعهود الماضية، دون الرجوع الى استخدام الثقافة العصرية الحديث في التفكير النقدي الذي يدعو الى الانخراط نحو نهج الديمقراطي المعاصرة في مواجهة أنجاح ووجود حلول للفضية الليبية المتأزمة، حلول منطقية تهمهم وتهم الدول المجاورة من ليبيا والعالم كله في رؤية ليبيا الدولة العصرية التي من شأنها أن تتماشى مع المعطيات الدولية لتكون جز منها وليس خارجة عنها.
لكن الكثير منا بذلوا جهودا جبارة لإبعاد ليبيا من الخطر الذي يحدق بالدولة الليبية ووصفوا أوصاف ورؤى متعددة وغايات وأهداف يسعون تحقيقها في الحرية والرخاء والعدل والمساواة في ليبيا، لكن الخلاف بين الأقطاب السياسية الليبية المتواجدة على الساحة الليبية وفي أجسام الدولة الليبية الموازية ومع وجود المليشيات المسلحة الليبية المنتشرة هنا وهناك حالت دون أن تحقق الوئام لعموم الشعب الليبي في طموحاته الإنسانية.
وما نراه اليوم من أفكار مختلفة في تغير مسار الثورة الشعبية الليبية، البعض منا ما يطالب بتغير مجرى الأمور بالسلاح المنتشر في ربوع ليبيا التي انتشرت بكميات كبيرة والأخر يعير الى الأسلوب والوسائل السلمية الديمقراطية والاحتكام الى صناديق الاقتراع والى القانون والعدالة الانتقالية، والأخر يرى من ضرورة الرجوع الى الدستورية الشرعية الملكية في دستور المملكة الليبية للعام 1951 الذي أقرته الأمم المتحدة بصيغته المعدلة في عام 1963.
ومنا من يطالب إقرار مشروع الإعلان الدستوري بعد الإطاحة بالنظام السابق والعمل على السريع من الاستفتاء عليه من قبل الشعب الليبي قبل الانتخابات المقبلة للجسام السياسية الليبية الجديدة وإخراج منها حكومة موحدة في العام القادم من 2018.
ولهذا فإنني أرى انه لا يمكن الوصول الى حل لتلك القضية الليبية الشائكة، إلا باعتبار القضية قضية وطن للجميع يشمل الأطياف الليبية المتعدد، لا وجد الى أرضية الإقصاء من الجانب اليمين ولا من جانب اليسار ولا حتى من جانب أفراد النظام السابق، ولكن بالتكاتف الكامل من اجل إنقاذ ما تبقى من خيرات وثروات وعودة ليبيا الى أهلها بالكامل بدون إقصاء لأي طرف أين كان.
خطة العمل من أجل ليبيا هي خطة قد تساعد في استقرار الإطار الاستراتيجي لليبيا وإنهاء الإطار الجيوسياسي بالمنطقة والدول المحيطة بالدولة الليبية التي تدعمنا بمشاركة الأمم المتحدة للاتفاق السياسي الليبي باعتبارها إطار للحل السياسي في ليبيا.
وأما العمل العسكري الليبية سينتهي مع بمجرد انتهاء الإرهاب في ليبيا فلا يصبح للعمل العسكري أي دور إلا في حماية الوطن والشعب الليبي والدولة الليبية عند وجود وحدة التراب الذي يتم تحقيقه في النظام السياسي الليبي الجديد والمعلن بشرعيته بقرار من الأمم المتحدة راعية للاستقرار السياسي في ليبيا.
في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها ليبيا لا نريد من الأمم المتحدة أن لا تتخلى علينا، بل نريدها إن تدخل معنا في المفاوضات التي رعتها من قبل والتي ستسفر الى السلام الشامل والعادل بين الأطياف الليبية المتنازعة على ثنائية المصلحة العامة والسلطة الليبية وإحقاق التوازن السياسي بين جميع الأطياف الليبية.
اتفاقات فك الاشتباكات بين المليشيات المسلحة الليبية والعودة بهم الى الجيش الليبية لحماية الوطن من الأيادي الخفية التي تتربص للوطن وزعزعة أمنه واستقراره، بالإضافة الى غطاء دولي يدعم ليبيا بالسلاح بعد رفع الأمم المتحدة الحظر التسلح عليها وأيضا الأموال الليبية المجمدة .
هذا هو النموذج الجيوسياسي الذي يمر الآن على حالة الفوضى الليبية، وقد أصبحت ليبيا على تربص من خمس دول في المنطقة، منها مصر وتونس والجزائر والسودان وتشاد لتتحكم في سيادتها الداخلية، مما تترك لليبيا واليمن وسوريا والعراق مقصدا للحركات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة والساعية على المزيد من فرض حكمها الخاص على مناطق نفوذها.
ليبيا لها مساحات واسعة والسيطرة عليها تتطلب دولة أمنه مستقرة في أجهزة الأمن والشرطة والجيش الموحدة تحت سلطة تنفيذه واحدة يقرها الدستور الدائم للدولة الليبية.
التطرف دينيا وفكريا لا يعرف وجود دولة مستقرة ولا شعب موحد بل يؤجج دائما الى عدم الاستقرار وهو مبدأ معاداة النظام السياسي الليبي وهي الحالة السائد اليوم في ليبيا.
وقد أدى بزوغ نجم فكرة هذه الرؤية للخروج من الأزمة الليبية وإعطاء الشعب الليبي مفهوم التوحد بين الليبيين جميعا وقد غدت الدول العالم على مفهوم الوحدة الوطنية بعد حروبهم الأهلية المريرة التي أدت بهم ليكونوا من أكثر الدول تمدينا وقوية وتقدما في العالم.
تمارس دول العالم الدبلوماسية التقليدية هذا النهج حتى تستعين بضمانات عالمية توفر لها الغطاء الصحيح للنظام السياسي المستقر، ولكن في الوقت نفسه يجب علينا أن ننظم وندبر لأنفسنا الوعاء الصحيح لتقبل الآراء المختلفة وتتجنب الثقافة المصقولة حتى نخرج من عنق الزجاجة التي نحن فيها اليوم.
وبالتالي فإن ليبيا تواجه مخاطر الحصار على أموالها من قبل العالم الغربي ومن استعادت نشاطاتها الاقتصادية والتجارية في مجال النفط والغاز الذي يشكل اكبر عوائد الدخل لدولة الليبية، هذه الاتجاهات المتضاربة والتي زاد من تعقيدها انسحاب الشركات النفطية والغير نفطية في التعامل مع الدولة الليبية المنهارة سياسيا وامنيا.
ليبيا لزالت تمثل مصدر قلق ليس فقط على الإقليم العربي المحيط بها ولكن انهيار النظام السابق ترك فراغا كبير جدا في امن المنطقة لتحول ليبيا بأكملها الى مصدر للعمليات الإرهابية التي تصل الى المناطق ذات التوترات السياسية والاقتصادية في العالم اجمع.
ظاهرة الأمر أن تدخل ليبيا في المصالحة الوطنية الشاملة والحفاظ على نسيجها الاجتماعي التقليدي الذي نجد فيها خلاصا من الفوضى العارمة لأجل غير مسمى، وبذالك قد حققنا تحدٍ الجيوسياسي وليس تحديا إيديولوجيا وينبغي التعامل معه على هذا المستوى.
بقلم الأستاذ رمزي حليم مفراكس