من الصعوبة بمكان؛ أن يصل أحد الى القمة، إلا بعد جهد ونضال وعناء لسنين، حتى تتكلل تلك الجهود بالنجاح وتحقيق الهدف المنشود، الذي يسعى له الكثيرون وسعيد من يحقق مبتغاه، لكن يبقى الحفاظ على ذلك الانجاز والتربع على القمة أصعب من الوصول إليها، ولطالما تدحرج الى الهاوية من لم يستطع أن يحافظ على اتزانه، فعاد الى نقطة الشروع.
منذ عام 1991؛ وانفصال إقليم كردستان عن العراق بقرار من الأمم المتحدة، صار سكان شمال العراق يعيشون في بحبوحة، يحسدهم عليها سكان العراق جميعهم، الذين يتلوعون من سياط الظلم ويسكنون في زنزانة كبيرة اسمها العراق، ويدفنون أحياء في مقابر جماعية، حتى تحقق الخلاص من هذا النظام عام 2003، ليتمتع العراق بنظام ديمقراطي " هزيل "، لم يستطع أن يساوي بين مكوناته الاجتماعية، من حيث الحقوق والواجبات.
فازداد الإقليم ثرائا وتوسعت صلاحياته على حساب المركز، وتجاوز القوانين والدستور باتفاقيات في الغرف المغلقة، من اجل تقاسم الثروات والسلطة بين حكومة الإقليم والمركز، دون التفكير في مصلحة البلاد ومعيشة سكانها، حتى تطور هذا الصراع الى ابعد من حدوده الدستورية والقانونية، عبر إجراء استفتاء صوري من قبل رئيس الإقليم مسعود البرزاني، ظنا منه إن هذا الاستفتاء سيوفر له سلطة وأموالا، تعوض رواتب موظفي الإقليم وأموال النفط المسروق من حقوله، التي ذهبت في حسابات شخصية حرم منها الإقليم وشعبه.
طوال سنين كان العراقيون ينظرون الى الإقليم، وهو يسبقهم نحو القمة بمسافات بعيدة، حتى يئسوا من اللحاق به، فميزانيته يتسلمها كاملة من نفط البصرة وأموال الجنوب، إضافة الى استحواذه على نفط الشمال وفوقها زيادة كبيرة نتيجة الاتفاقات السرية، والمنافذ الحدودية تقاسمها الحزبان الحاكمان، مع المطارات الغائبة عن سلطة الحكومة المركزية، وأصبحت حصة الأكراد من الوزارات الاتحادية حكرا للإقليم، جيرها لمصالحه الخاصة ففتحت قنصليات غير دستورية في معظم دول العالم، وصار الإقليم يتمتع بصلاحيات دولة داخل دولة، وعلاقات مع جميع الدول حتى إسرائيل مخالفا بذلك الدستور العراقي، في حين يتحتم على المسافر العراقي للإقليم، أن يحصل على كفيل من اجل دخوله.
لكن رئيس الإقليم المنتهية ولايته، لم يتحمل ما وصل إليه من سلطة، وأموال بدأت تقل بسبب التغيير في سياسة الحكومة المركزية، التي أرهقها ما كان يحصل عليه الإقليم، دفعه الى الحركة التي أطاحت به، وانفضت عنه الجماهير التي كانت تهتف له مطبلة لمشروع دولة كردستان، بعد ان بانت الوعود الزائفة ولم تعد تحصل على لقمة عيشها، التي ذهبت أدراج الرياح مع مسعود البرزاني، الذي انزوى بعيدا تاركا شعبه يعاني شظف العيش، محاولا اختلاق مشاكل مع الحكومة الاتحادية، وصراعات جانبية مع القوات الأمنية، بواسطة البشيمركة التابعة له أو دعم عصابات الراية البيضاء، التي أرادها بديلا لداعش وعودة لعصابات " العصاة " السابقة.
لكن الجماهير لم تقف ساكتة تجاه ما حصل معها، فانقلب السحر على الساحر واندلعت شرارة التظاهرات، التي ربما ستطيح بالأحزاب الحاكمة وتغير الخارطة السياسية في الإقليم، وإذا لم يتم التعامل مع طلبات الجماهير الكردية بايجابية ومعالجات فورية، فان هذه المظاهرات ستكون شبيهة بإحداث الربيع العربي، وتقتلع الحكام من جذورهم.