قرأ عبد الحكيم ببرود إعلان المجمع التجاري الجديد في حيه : واحد في أربعة ، اشتر قطعة واحدة وخذ ثلاثاً مجانا .
لا يحب عبد الحكيم التسوق ، وبشكل خاص من مجمعات التسوق الكبير ة ، التي يشعر أن فيها من خدع التسويق بعدد ما فيها من سلع ، إنها تمنحك شيئا وتأخذ منك في مقابله ثلاثة ، تقدم لك الكماليات في حلة الضروريات ، تغريك بشراء أي شيء بما تضفي عليه من جماليات العرض على رفوف أنيقة دانية، وليس عليك إلا أن تمد يدك ! تحول الشيء إلى رمز ، بما تلبسه من المعاني ، فشراء ساعة من ماركة معينة يعني رقي الذوق ، وأنك من طبقة اجتماعية عالية ، وتجعلك توقن بالعبارة : أنا أشتري :أنا موجود !
يذكر عبد الحكيم بأسى بقالية الحي ، كأنها جزء من البيت ،وصاحبها كأنه من أهل البيت ،يناديه باسمه ،ويصافحه بحرارة، و يشاركه هموم الحارة وأخبارها في حميمية ولت وذابت في ذلك الوحش الضاري الذي يسمى (مولا).
يرى عبد الحكيم بعينيه اليوم كيف طغت النظرية الجديدة في علم الاجتماع الاقتصادي التي ترى أن من يملك وسائل الاستهلاك،من مجمعات تجارية ضخمة ومطاعم وفنادق وشركات طيران وبطاقات شراء، فإنه يملك تقرير ثقافة المجتمع وعاداته وأخلاقه ونظمه الاجتماعية ، وقد حلت بقوة مكان نظرية ماركس التي كانت ترى أن من يملك وسائل الإنتاج هو من يقرر للناس عاداتهم وأخلاقهم ونظمهم الاجتماعية .
لدى عبد الحكيم أشياء مهمة في حياته ليس من بينها التسوق ، يرى حياته كأنها صندوق له أربعة وجوه عائلته وعمله وهواياته وصحة بدنه.
أخذ الإعلان هذه المرة على محمل الجد وتوجه إلى المول الجديد ،وضع سماعات هاتفه في أذنيه ،وأخذ يستمع إلى رواية شهيرة باللغة الانكليزية ،ودفع عربة التسوق أمامه وراح يطوف على أجنحة السوق واحدا تلو الآخر، اشترى ما يظنه مفيدا وأعرض عما سواه ،ومضت ساعة ونصف يمشي ويستمع .
رجع إلى البيت ، لاقته زوجته بابتسامة رضى لما رأته يحمل أكياسا كثيرة في سلة واحدة ، ووصلت رواية ( ثلاثة رجال في قارب ) ذات النّفَس الكوميدي الممتع للكاتب الانكليزي جيروم ك جيروم إلى نهايتها ، وشاعت في نفسه مشاعر رضى عن تقدمه في تعلم اللغة الانكليزية اللازمة له في وظيفته المنتظرة ، وقرأ عبد الحكيم إشعارا في هاتفه أنه قد أنهى حصته اليومية من المشي أربعة كيلو مترات ، وسألته زوجته إن كان عرض (واحد في أربعة) حقيقيا !!