ميلاد عمر المزوغي.

هل الليبيون حديثي عهد بالديمقراطية؟,لقد تم تشكيل الاحزاب السياسية والجهوية في اربعينيات القرن الماضي,لكن تم حلها بل تجريمها خوفا من دخول البلاد في اتون الصراع على السلطة,لقد كانت انتخابات 2012 رغم انها كانت شفافة, القشة التي قصمت ظهر البعير لما شابها من تدليس,حيث لم يكشف المرشحون عن وجههم الحقيقي,وكانت النتيجة تشبثهم بالسلطة وادخلوا البلاد في دوامة العنف التي لا زلنا نعاني منها وبوتيرة متصاعدة,فأصبحت البلاد شبه مشلولة اقتصاديا وامنيا وملاذا للمجرمين ومصدرا لإزعاج الاخرين.

خلق الرب عز وجل للإنسان أطرافا(اعضاء) للاستفادة منها فمنها ما تجلب له الرزق وآخرى الويلات الجسام ومن تلك الاطراف القدمان حيث يرتزق البعض بواسطتها ملايين الدولارات ,كما ان هناك العديد من الافراد من تجلب له انامله ذهبا "العازفون على الالات الوترية" او الكتبة وتأليف الكتب والروايات وغيرها من الاعمال الادبية التي تخلدهم, ومن  الاصابع من تلقي بصاحبها في غياهب السجون او تقوده الى حبل المشنقة او التفريط في بعض من ممتلكاته ان وقّع شيكا على بياض وذلك ما نسمع عنه كثيرا لطيبة العديد من البشر وان كانوا حذاقا فكم من اناس وقعوا في فخ اصحاب الفهلوة والضحك على الذقون.

الكثير من الشعوب تنتخب ممثليها في البرلمان عبر الصناديق"وفق الديمقراطية الغربية" علّها تحصل على بعض من احتياجاتها إلا ان اولئك المنتخبون سرعان ما ينسون من انتخبوهم ويسعون جاهدين الى تحقيق مصالحهم الشخصية, فهي فوق كل اعتبار وان الوعود الانتخابية ماهي إلا شرك "فخ" نصبه الساسة لاتهام ما تصل اليه ايديهم بل ما تقع عليه اعينهم وما ينتهي الى اسماعهم.

الليبيون, كغيرهم من البشر ليسوا بمعزل عما يجري حولهم من انتقال نحو الديمقراطية المنشودة وبناء دولة المؤسسات والحصول على مزيد من الحريات,التملك والعمل والتعبير عما يجول في الخاطر وانتقاد المسئولين بهدف تصويب المسار للمحافظة على المال العام وعدم اهدار مقدرات الدولة لتستفيد الاجيال اللاحقة.

انتخب الليبيون وبعد مخاض عسير(عديد القتلى والمعوقين والأرامل والمشردين) او لنقل انها عملية قيصرية, ممثليهم " القوائم الحزبية والمستقلون" في البرلمان وكلهم امل في ان يوفي النواب بالوعود التي قطعوها على انفسهم لصالح الشعب, وما على المواطن إلا تمريغ" صبغ" اصبعه بالحبر وسيكون ما بعد عملية الانتخاب ليس كما قبلها, سيكون هناك تحسنا ملموسا في الخدمات العامة من تطبيب وتعليم واستتباب الامور الامنية والتحول نحو الانتاج والقضاء جذريا على البطالة المقنعة ومن ثم القضاء على اوقات الفراغ التي كثيرا ما تساعد على انحراف الشباب .

والسؤال الذي يتبادر الى ذهن اي مراقب هل تحقق لليبيين ما كانوا يصبون اليه؟ او لنقل هل أوفى النواب بتلك الوعود المعسولة طوال عام ونيف من جلوسهم على الكراسي وتوليهم مقاليد الامور؟,الاجابة وبكل بساطة ودونما الاحتياج الى التمحيص او التحليل أنه لم يتحقق اي شيء لصالح الناس,بل ان النواب وبمجرد انتخابهم وإعلان فوزهم سارعوا الى البث في الرواتب والمهايا التي سيتقاضونها نظير اعمالهم الجليلة التي سيقومون بها والأولى بهم ان سعوا الى محاولة استتباب الامن في زمن كان الفرد يخرج من بيته ولا يدري ايعود سالما ام لا, فأقروا رواتب جد مجزية لا يتقاضاها إلا المسئولين في غرب اوروبا وأمريكا بينما رواتب البشر لا تكاد تغطي جزءا من اعباء المعيشة الاخذة في ارهاق كاهل المواطن,بل وجدنا المسئولين قد فتحوا سبلا جديدة للترفيه والتسلية بذهاب بعضهم في مهمات غير ذات جدوى,مؤتمرات متعددة التخصصات وأداء مناسك الحج والعمرة الى اماكن اخرى غير التي نعرفها والتي لا تحصى ولا تعد.

ايقن الشعب ان هؤلاء ليسوا اهلا للثقة التي منحها لهم, فهو يلعن ذلك اليوم الذي وقف فيه بالطوابير واتى بهؤلاء الطواغيت المجرمين,ايقن المواطن ان اصبعه هو من وضعه في هذا المأزق,انه وببساطة اصبع من الديناميت التي شلت يد صاحبها عن العمل,تمنى لو انه قطع ذلك الاصبع الذي مرّغ انفه في التراب وجلب له الاذلال والهوان,لم يحقق البرلمانيون اي شيء , لم يسعوا لأجل المصالحة بل يسارعوا الى انتخاب لجنة لكتابة الدستور وبالتالي فالدستور لم يوضع اصلا طوال هذه المدة,لقد طلعوا علينا بمهزلة التمديد لأنفسهم للاستمرار في سرقة اموال الشعب,فالبترول يباع من وراء الكواليس اما العوائد فتذهب الى حسابات اصحاب السعادة والفخامة والجلالة لتصرف على امراء الميليشيات التي تحافظ على سلامتهم في حلهم وترحالهم وتخويف الشعب.

كنا نعتقد ان الساسة قد اكتسبوا الشجاعة من تصرف اهالي طرابلس العزّل وسقوط العديد من ابناء المدينة بين قتيل وجريح ليخرجوا من تبقّى من تلك الميليشيات من المدينة وليضربوا بيد من حديد كل اولئك المتآمرين على الوطن الساعون في خرابه,انهم وللأسف اكدوا لنا المثل القائل: حاميها حراميها, يقول البعض متهكما على  رغبة النواب في التمديد: أن المسئولين كونوا "جمعية- نقود " فيما بينهم ويريدون التمديد الى ان تكتمل الجمعية, اي الى ان يأخذ كل واحد نصيبه "مائتي شهر على الاقل" فالشعب قد صبر الكثير فلم لا يصبر أكثر .

 فهل يصبر الشعب على هؤلاء ام يلقي بهم على قارعة الطريق ويجعلهم يعودون من حيث اتوا صاغرين .

*************************

اصطف الشعب مجددا في طوابير,عله يكفر عن فعلته في انتخابات2012,لم يفرح كثيرا,فقد جلبت له الويلات الجسام,قرارات صورية صدرت ونفذت بقوة السلاح الذي تمتلكه الميليشيات,آل الشعب على نفسه هذه المرة ألا يأتي إلا بمن هو أهل للثقة من حيث خدمة الجماهير ومبدأ تداول السلطة, افلح في ذلك فكان نصيب الإخوان من المقاعد قليل جدا بحيث لا يمكنّهم من عرقلة أي قرار يتخذه البرلمان.

المنتخبون حديثا من قبل الشعب أصبحوا مطاريد يبحثون لهم عن مكان آمن,ضاقت عليهم الأرض بما رحبت,سيطر المنتخبون السابقون على كل شيء,اكتسحوا بفعل ميليشياتهم كافة أنحاء البلاد,ولم يبقى إلا القليل من الأرض في أقصى الشرق تحت رعاية من تبقّى من الجيش الليبي البطل,الذي قرر أن يخوض معركة وان كانت غير متكافئة من حيث العتاد والعدد, لكنه مصمم على النصر ودحر الجبابرة الطغاة.

الليبيون يندبون حظهم التعيس من بين دول الربيع العربي, تمريخ الأصابع ثانية بالحبر البنفسجي,لم يكن مجدي,أتى بنتائج عكسية,لم تهدأ الأمور,بل استفحل الإجرام بحيث طال الآمنين,الأحزاب الميليشياوية الإجرامية أفرغت ما في جعبتها من حقد دفين تجاه الشعب الذي رفض التمديد لها, انتخابات يونيو2014 البرلمانية أظهرت للعالم ولقوى الشر في ليبيا حجمهم الحقيقي.

استخدم الانقلابيون ضد الشعب كافة أنواع الأسلحة المحرمة في المناطق المكتظة بالسكان,فكان آلاف القتلى والجرحى والمشردين,استمر نزوح المواطنين إلى دول الجوار, ليلحقوا بإخوانهم الذين سبقوهم إلى هناك منذ أكثر من 3 سنوات,لتزداد المأساة.

العالم بأسره يتفرج,منظمات غوث اللاجئين,لم تقدم للنازحين القدامى والجدد,أية مساعدات أسوة ببقية النازحين من الدول التي تشهد اضطرابات أمنية,قد تكون الحجة أن ليبيا دولة غنية وبإمكانها أن تنفق على لاجئيها,ولكن وللأسف فإن الحكومات "الليبية" المتعاقبة لم تعر أي اهتمام بشؤون اللاجئين بدول الجوار,الحكومة الحالية,لم تستطع أن توفر مكانا آمنا لها لعقد جلساتها,الحكومة الانقلابية في طرابلس استولت على كل شيء,بما فيها المصرف المركزي وعوائد النفط,فكيف بالحكومة الشرعية أن تفكر بالآخرين وهي لا تمتلك أي شيء؟.

لم يعد هناك مجالا للشك بأن حكام الغرب وأصدقاءهم من العرب,الذين ساهموا في إحداث الفوضى التي أسموها الخلاقة,إنما يستهدفون تمزيق الأمة العربية,إننا ندرك أن هناك ضغوطات يقوم بها الغرب على البرلمان والحكومة المنبثقة عنه,فهم مصممون على الإبقاء على العناصر الإجرامية ضمن التشكيلة الحكومية رغم هزيمتها في الانتخابات,ومن ثم تمديد الفترة الانتقالية بحجة الدعوة إلى الحوار والمصالحة والتي قد تأخذ ردحا من الزمن, ليستمر هؤلاء في السلب والنهب والقتل, وتستمر المعاناة. الغرب لا يزال يصنف الجيش الوطني على انه ميليشيا,وبالتالي يحظر عليه استيراد أسلحة متطورة لمجابهة الميليشيات التي تتلقّى الدعم ألتسليحي والمالي من عدة دول لم تعد خافية على أحد وفي مقدمتها قطر وتركيا وليس آخرا السودان التي بفعل عقلية حكامها المتحجرة, انقسم السودان إلى شطرين بل هناك محاولات جادة لتقسيم شمال السودان إلى دول قزميه.

مع اقتراب موعد انتهاء مسرحية الاتفاق السياسي في السابع عشر من ديسمبر 2017, يبقى الأمل للشعب الليبي معقودا على الجيش الوطني,لقد مل الشعب حياة الذل والمهانة وتجرع مرارة فصول الديمقراطية الموعودة ,ديمقراطية الميليشيات المسلحة,حيث يتزامن سعر المواطن مع سعر عملته المحلية,فالمواطن اصبح سلعة,ويعتبر الاقل سعرا بين كل السلع,فهو لم يعد يساوي ثمن رصاصة سلاح يدوي (بندقية/ مسدس),ولا ضير في ذلك بعد ان وضعه مفتي الديار في منزلة اقل من الكلب.هل تتحقق المعجزة وينتصر الشعب,ام تزداد الامور سوءا ويمدد لمغتصبي السلطة عاما اخر؟ذاك ما ستخبرنا به مقبل الايام.