بعض أبنائنا و بناتنا أكل رامز عقولهم ، و بعضهم أكل بعض المشايخ عقولهم ، مساكين نحن ، نعيش في (عصر التطرفات) - كما أسماه المؤرخ الشهير ( اريك هوبزباوم)- عصر الجنون ، عصر العبث بالعقول ، عصر الضحك على الذقون ، عصر دغدغة المشاعر ، و اللعب بالعواطف : نعبث بالعقول باسم الله، و نضحك على الذقون باسم الوطن، و ندغدغ المشاعر و نلعب بالعواطف باسم الفن ، نعبث و نضحك و ندغدغ ، لنكسب الشباب الى صفوفنا، ثم نستخدمهم - بلا شفقة ولا رحمة - كأدوات لتنفيذ اهدافنا و خدمة مصالحنا الضيقة .
و قد كتبت تدوينة انتقدت فيها العابثين بعقول أبنائنا باسم الفن و الكوميديا ، و اليوم اكتب منتقدا العابثين بعقول شبابنا باسم الدين ، و قد كتبت تدوينتي هذه على شكل رسالة الى ابنائي الشبان :
فقد تخيلت شبانا في مقتبل العمر ، شبانا متدينين حالمين بريئين ؛ انهم شبان يعيشون بيننا بأجسادهم ، أما أرواحهم و قلوبهم فهي معلقة بالماضي ؛ فقد غرسوا في عقولهم أنهم سيعيدون الى المسلمين أمجادهم و عزهم بالقوة ؛ سيغيرون المنكر بأيديهم ، و يشيدون للفضيلة صرحا بحد السيوف و فوهات البنادق ، سيقيمون خلافة على منهاج النبوة ، سينشرون العدل كما فعل العمران ( ابن الخطاب و ابن عبد العزبز) . و قد تخيلت هؤلاء الشباب يستمعون الى هؤلاء (المتأسلمين) متأثرين ، و بدا لي ان أفكارهم راقت لهم ، و أن الصورة التي رسموها أعجبتهم ، تخيلتهم و قد امتشقوا أسلحتهم و خاضوا في الدماء مع الخائضين ، يا الهي ! ان هؤلاء المساكين لا يدرون أن ( وراء الأكمة ما وراءها ) ، لا يدركون أن هؤلاء متأسلمون و ليسوا مسلمين ، لا يعرفون انهم متسترون بالدين ، و الدين منهم براء ، خفت على هؤلاء الشباب ،خفت على هؤلاء الضحايا المفترضين ، خفت عليهم فقررت أن أبعث اليهم برسالة :
(بسم الله الرحمن الرحيم )،
أحبائي ، أيها الشبان الحالمون : (السلام عليكم و رحمة الله و بركاته )،
هل لاحظتم،ايها الأحباب، كيف بدأت رسالتي اليكم ؟ لقد بدأتها باسم الله ، باسم الله المتصف بالرحمة ، هل تعلمون ، أيها الأعزاء ، أن الرحمه التي يتراحم بها البشر ( كل البشر) ، و الرحمة التي تتراحم بها كل البهائم ، اقول : هل تعلمون ان هذه الرحمات، كلها ، ما هي الا جزء بسيط من رحمة ربنا سبحانه و تعالى؟ .
من قال لي ذلك ؟ انه سيد البشر محمد ( عليه السلام) متحدثا عن ربه ، و محمد ( عليه السلام)،هو الذي أمرنا بافشاء السلام ، لذلك قلت لكم بعد البسمله: ( السلام عليكم و رحمة الله ) ،
يا الله ! يا الله ما أروع هذا الدين ! انه سلام كله ، انه رحمة كله ، قولوا لي بالله عليكم : هل أحسستم بالدفء كما أحسست أنا حين سمعتم كلمتي ( السلام و الرحمة ) ؟
كم نحن بحاجة أيها الحالمون للسلام؟ كم نحن بحاجة اليه في زمن الحروب هذا ، في زمن القتل و التفجير هذا؟ كم نحن بحاجة للرحمة في عصر القسوة هذا ؟، عصر التكفير و التدمير هذا .
و المصيبة يا أبنائي، اننا نمارس كل هذا الجنون باسم الله الرحمن الرحيم ! : نذبح باسم الله ، نغتصب النساء و نبيعهن في أسواق النخاسة باسم الله ، نحطم آثار العراق و سوريا و اليمن التي مر عليها صحابة رسول الله، و مر عليها التابعون فتركوها قائمة ، باسم الله ، باسم الله، باسم الرحمن الرحيم !
و المصيبة يا أبنائي ، أننا نمزق الأوطان ، و نخوض حروبا أهلية طاحنة ، و يكفر بعضنا بعضا باسم رسول الله ، رسول الله ، رسول الله محمد ( عليه أفضل الصلاة و السلام)، الذي قال عنه ربه ( و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) رسول الله الذي دعا الى الحب و الوئام و الوحدة، و نهى عن التناحر و الفرقة ! .
ترى لمصلحة من نفعل ذلك ؟ من هو المستفيد ؟ انا متأكد انكم عرفتم الاجابة ، نعم انها الدول الكبرى ، انهم اصحاب مبدأ( فرق تسد) ، انها اسرائيل و من ورائها أمريكا .
يا أحبائي : صدقوني ان كل قول قاس ، او فكر متطرف ،او سلوك عنيف ، لا تمت للاسلام بأي صلة ، بل ان العصاة و الكفار ، من لا يؤمنون بالله ، اقول : حتى هؤلاء أمرنا ربنا (الرحمن الرحيم) امرنا ان ندعوهم ( بالحكمة و الموعظة الحسنة ) ، نعم نستطيع ان نجبر الناس على الدخول بالاسلام بالقوة ، نستطيع ان نمنعهم من شرب المسكرات، و ارتياد بيوت الدعارة بالقوة ، لكن هل سنستفيد من ذلك ؟ طبعا لا ،لماذا؟
لأن القوي الذي فرض الدين بالقوة سيضعف يوما، (أو سنتحرر أحيانا من رقابته و نستغفله )و ساعتها سيعود الكافر الى كفره ، و العاصي سيرجع الى معصيته ، لذلك فإن اساس الدين هو الاقناع و الإقتناع ، اذا كنتم مقتنعين و مؤمنين بصدق ، فأنكم لا تحتاجون الى رقابة ، لا تحتاجون الى قوة و ارهاب لتمتنعون عن الخطأ و تفعلون الصواب ، لذلك ، يا ابنائي ، يا أحبائي ، يا من تحلمون بخلافة على منهاج النبوة ، لذلك ظل رسول الله (عليه السلام) اكثر من عشر سنوات و هو يغرس العقيدة في نفوس أصحابه ،
سيقول البعض: ثم شرع الله الجهاد في سبيل الله ، و سأرد قائلا: ان الجهاد شرع لرد العدوان و الدفاع عن المستضعفين ، و لم يشرع لفرض الدين، يقول الله تعالى : ( اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) ، ظلموا بضم حرف ال ظ ، هذا هو مبرر القتال حسب القرآن الكريم .
و لبيان أهمية الاقناع خذوا السعودية مثالا :
انهم يطبقون ما يعتبرون انه الشرع بصرامة شديدة ، فهل قضوا على السرقة؟ هل قضوا على الزنا و اللواط ؟ الجواب لا . بالمقابل فهناك عشرات الآلاف من الشباب يعيشون في الغرب ، حيث ممارسة أي نوع من أنواع الرذيلة مباح ، بل و ميسرة أمورها ، أقول يعيش هؤلاء ملتزمين بدينهم ربما أكثر منا ، لأن هناك رادع داخلي يمنعهم و يحميهم من الضياع .
و أخيرا اليكم مثالا من التاريخ يثبت أهمية الدعوة السلمية الحكيمة :
هل تعلمون كيف انتشر الاسلام في شرق آسيا ؟ لقد نشره التجارالمسلمون ، نعم التجار، لا المحاربون ، هم من نشروه ، لكن كيف ؟ بمعاملتهم الأمينة اللطيفة ، بوجوههم المبتسمة، باختصار: بأخلاقهم الحسنة ، لقد حببوا الناس في الاسلام فدخلوا فيه طواعية ، دخلوه عن قناعة فتمسكوا به الى زماننا هذا ، و اليوم هناك من يلحد نتيجة الممارسات الارهابية باسم الدين ، قولوا لي : هل سمعتم بذلك ؟ .
يا ابنائي ، يا أحبائي ، يا من تبحثون عن الخير و العدل و السلام : ان الاسلام رحمة ، و الرحمة لا تنتشر بالقسوة ، ان الاسلام سلام و السلام لا يعم بالإرهاب ، ان الإسلام حب والحب لا يسود بالكراهية ...