سنين مرت واليمن السعيد يعيش الحزن والشقاء، وانهار من الدماء طالت الشيوخ والنساء والأطفال في حرب ما زال لهيب نيرانها مستعرا، فرضها عليه ما يسمى ب "التحالف العربي" من اجل الهيمنة عليه، وجعله رقعة شطرنج في صراع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
شهدت اليمن خلال هذه الحرب أحداثا سياسية متقلبة، فبعد الإطاحة بعلي عبد الله صالح وإقصائه من السلطة بعد أحداث الربيع العربي، وتسليمها ضمن المبادرة الخليجية الى هادي، بدأت محنة اليمن من اجل السيطرة عليها والاستئثار بها وإدخالها في صراع إقليمي، وفرض السياسات الإقليمية عليها التي واجهها الشعب اليمني بكل صلابة، ودفع انهارا من الدماء في مقاومته للعدوان السافر الذي تتزعمه السعودية.
سطر اليمنيون خلال هذه الحرب المفروضة عليهم، أروع صور الصمود وابهروا العالم في شجاعتهم في المقاومة وقدرتهم على القتال، والوقوف بوجه عدوان همجي غاشم، بل إن قوتهم تصاعدت حتى صاروا يضربون في عمق الدول المعتدية، وكان لانضمام صالح الى محور المقاومة دور مهم، لما يتمتع به من علاقات خارجية مهمة ونفوذ في المجتمع اليمني ذو الطابع القبلي، إضافة الى حجم القوات العسكرية الموالية له، التي كانت مشاركة في القتال طيلة الفترة الماضية.
لم يدخر التحالف " اللاإسلامي" الذي شن الحرب على اليمن، جهدا في أذية الشعب اليمني وإبادة أبنائه، فكانت البيوت والمدارس والمستشفيات والأماكن العامة، تسقط على من فيها عبر صواريخ هذا التحالف، وكنا نشاهد الصور التي تقشعر منها الأبدان ويندى لها جبين الإنسانية، والأوصال المقطعة لأطفال اليمن ونسائه إضافة الى التجويع والحصار المفروض عليه، ويبدو أن التحالف هذا نجح أخيرا في اختراق الجبهة اليمنية عن طريق عبدالله صالح، الذي أعلن بصورة مفاجئة انشقاقه عن الحوثيين وانضمامه الى محور السعودية.
ولكن سرعان ما سارع الحوثيون الى مواجهته فاردوه قتيلا، ليضاف صالح الى سجل زعماء الشرق الأوسط، الذين ظلوا متشبثين بالسلطة الى الرمق الأخير ولم يتركها إلا قتلا أو سحلا، ليعيش الشعب اليمني مرحلة جديدة من الصراع ربما تختلف عن سابقاتها، فمقتل صالح ربما يعد نصرا للحوثيين وهو يوم استثنائي كما عبر عنه السيد عبد الملك الحوثي، ولكنه أيضا نجاح للمحور السعودي في تقسيم المقاومة اليمنية بين الحوثيين وحزب المؤتمر الذي كان يتزعمه صالح، وسيجر اليمن الى مشاكل وصراعات قبلية لن تنتهي.
كان يمكن للحوثيين؛ التوصل الى تسوية مع صالح غير القتل خاصة وانه كان موجودا بينهم، وإبعاد اليمنيين عن التداعيات التي ستأتيهم بعد مقتله، ذلك إن وجود صالح مع الحوثيين كان يبعد عنهم الصبغة الطائفية ويطمئن العالم بعدم ولائهم لإيران، إضافة الى حجم قواته المشاركة في القتال والولاء الشعبي له بين صفوف اليمينيين، وبمقتله فقد الحوثيون غطاءً سياسيا مهما كانوا يتمتعون به، ويبدو إنهم ارتكبوا خطأ استراتيجيا ستتضح صورته في الأيام القادمة.