في كل مراحل الحياة وأحداثها، هناك طارئون عليها، يسطع نجمهم ويعلو شأنهم في غفلة من اللحظات التاريخية، مستغلين ظروفه المتغيرة وغير المستقرة، لكنهم سرعان ما يذهبون للأفول ويطويهم التاريخ بصفحاته، ليصبحوا نسيا منسيا.

   اتضحت هذه السُنة التاريخية، في العملية السياسية في العراق، بعد أحداث عام 2003 وسقوط صنمها، الذي هو الآخر كان حدثا طارئا على العراق، ولم يستوعب ما وصل إليه، فكانت أفعاله الإجرامية والقتل والمقابر الجماعية والفوضى العالمية ابرز صفاته، فخرجت إلينا بعض الشخصيات السياسية التي لا تفقه من عملها شيئا بالمرة، وكل همها اقتسام الغنائم وتقاسم الكعكة، التي جعلتها الفوضى السياسية ملكا بين أيديهم، ففعلوا ما فعلوا وجعلوا ثروات العراق هباء منثورا.

   كانت سمة هؤلاء الطارئين الذين جلبتهم فوضى الديمقراطية، الصراخ والعويل على المنابر الإعلامية، حتى بتنا مع كل زخة مطر تسقط من السماء يعلو صراخهم، ومع ارتفاع حرارة صيف العراق اللاهب نسمع تصريحاتهم، التي تعزو هذه الظواهر الى مؤامرات سياسية وأجندات مشبوهة،  فيما كانوا يجلسون في الغرف المظلمة، يحيكون مؤامراتهم على هذا البلد الذي كاد الإرهاب يمزقه، وشعبه الذي شد الأحزمة على البطون من فقره.

    ورغم إن هؤلاء طغوا على المشهد السياسي العراقي، إلا إن أصحاب التاريخ ومن لهم باع في صناعته، والتأثير في أحداثه الداخلية على مر السنين، وعانوا ما عانوا من الطارئين سواء بحملات تسقيطية مرة، وإعلام كاذب ومغرض مرة أخرى، أو عقد صفقات تحالفية غيرت مجرى التوازنات السياسية، محاولة إبعادهم عن المشهد السياسي بشتى الطرق، إلا إنهم ساروا بخطوات ثابتة ومشروع لم يتغير، وضع مصلحة الوطن والدفاع عنه والحفاظ على هويته، وخدمة أبنائه والتمسك بالمشاريع التي تراعي مصالحهم وتسعى الى توحيدهم، بوجه عواصف الفتن والفرقة.

    من أهم المشاريع السياسية الواثقة من نفسها، والتي سيكون لها دور في عراق ما بعد داعش، والخارطة السياسية في العراق للسنين القادمة، هو انبثاق تيار الحكمة الوطني، كونه ولد على يد أناس لهم تاريخ يمتد الى 100 عام في العمل السياسي، ولطالما كانوا من صناع التاريخ الناصع للعراق، سواء في العمل الجهادي ضد أنظمة الطغيان التي حكمت العراق، او في وضع أسس العمل السياسي فيه، وهم أول المبادرين في وضع المشاريع التي تهدف الى خدمة أبنائه، وأول المضحين من اجل تحقيقها.

    لذلك شهدت بغداد يوم 2/12 حدثا استثنائيا، لم تشهد له مثيلا منذ عام 2003 والى يومنا هذا، تفوق على جميع المؤتمرات والاجتماعات السابقة التي عقدت في بغداد، بل إن حجم الاهتمام الاجتماعي والسياسي فيه، فاق حجم اهتمام العراقيين في القمة العربية التي عقدت في بغداد، ذلك أن المؤتمر التأسيسي الأول لتيار الحكمة الوطني، جمع بين أعضاء مؤتمره العام، جميع أطياف الشعب العراقي من عربه بسنتهم وشيعتهم، وأكراده وتركمانه ومسيحييه وصابئته، في منظر مبهر وتنظيم رائع لم يشهد العراقيون له مثيلا.

    حدث جعل الجميع يشعر ببارقة أمل، في التخلص من الطارئين على العمل السياسي، الذين كادوا يذهبون بالعراق الى المجهول، وان السياسية والقيادة لها رجالها القادرين على جمع أبناء الوطن، تحت خيمة واحدة شعارهم العراق أولا وليس غيره، والى العراق ينتمي الجميع.