Image title

علي بانافع

     سميت الدول الآتية: الأموية، والعباسية، والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية ...الخ، وكلها انتماءً لأسماء أفراد أو أسر أو أقوام فلم يستنكر أحد في التاريخ؟! اليوم يستنكرون أن المملكة العربية السعودية سُميت نسبة إلى (آل سعود) علماً أنهم أسسوا ثلاث دول الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، لذا أقول: بإمكانكم أن تنتقدوا الحكم السعودي لكن انتقدوه بشيء مقبول لا بشيء فعله أسلافنا العظام؟!

     لقد كان العداء للدولة السعوديّة الأولى والثانية -في البداية- دينياً لها لظهور حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، وكان العداء شديداً من قبل القبوريين والصوفية والأشاعرة، وساهم الاحتلال البريطاني بنشره في الآفاق حتى لا تنتفض جماهير المسلمين على احتلالها خاصة في الهند، فقد أدرك المحتلون خطر انتشار عقيدة التوحيد والولاء والبراء واعتماد الكتاب والسنة بين الحجاج القادمين لمكة والمدينة، فقد شاهدوا تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب على عثمان فودي في أفريقيا وسلطان المغرب سليمان وغيرهم، فاستطاعت السعودية بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأخير التغريب مئة سنة -رغم هزيمتها- كما استطاعت أن تطرح أول وأكمل ثورة عربيّة، وذلك بطرحها في صيغتها الشرعية أعني العروبة الملتحمة بالإسلام لا المتمردة ولا المتآمرة على الإسلام ..

     وفي الدولة السعودية الثّالثة أخذ العداء بُعد عقدي "أيدلوجي" مع وصول الأفكار والمذاهب الهدامة للمنطقة العربية كالشيوعية والتي أعلنت الكفر والإلحاد -أولاً- وضرورة إسقاط الأنظمة الرجعية "الراديكالية"، ثم جاء العداء الإسلامي الحركي قاده حزب التحرير بدعوى إقامة الخلافة، ثم تأثر به الإخوان المسلمين لما سيطرت عليهم فكرة كُفر الحكام جميعاً؛ والتي تبناها حسن البنا آخر حياته -كما يقول محمد قطب- ثم ساهمت أفكار سيد قطب في ترسيخها بعد ذلك، ثم جاءت دولة الدجال الخميني بتصدير الثورة والعداء للسعودية على أساس طائفي، واليوم تكاد تتحالف هذه الروافد جميعاً على العداء للسعودية برغم تناقض مواقفها ومصالحها ومبادئها!!

     لنراجع التاريخ القريب -قليلاً- فالمملكة العربية السعوديّة مُنحت هذا الاسم بعد محاولات توحيد مناطقها منذ سنة 1309 / 1902 لغاية اكتمال صورتها الحالية سنة 1351 / 1932، فشبه الجزيرة العربية لم تكن موحدة في التاريخ أبداً ووحدها الملك عبد العزيز آل سعود، لم يكن هناك نفط ولم يكتشف بعد، بداية الإكتشافات كانت سنة 1357 / 1937، والمملكة أكثر أهلها قبائل وأغلبهم بدو رحل، وكانت مكّة والمدينة حاضرتا الحجاز فوضى ولو طالعت التاريخ لرأيت 700 سنة منازعة على الحُكم بين الأشراف الحسنيين والحسينين، وكانت مرة تتبع للعباسيين ومرة أخرى للفاطميين ومرة ثالثة للمماليك وتارة للعثمانيين، ودينياً كان في مكة أربع محاريب للمذاهب الأربعة، فبدأ الملك عبد العزيز بتطوير المملكة الوليدة من الصفر لغاية وفاته سنة 1373 / 1953 وحاول تطويرها في كل شيء، وحكمها أبناءه البررة من بعده ليومنا هذا، ومع تغير الأحوال والانفتاح وظهور تيارات شيوعية ويسارية وقومية وبعثية وناصرية وعلمانية وليبرالية، إلا أنها هي البلد العربي والإسلامي الوحيد الأكثر تديناً والأكثر علماءً وطلبة للعلم والصلاة مفروضة ظاهراً والحجاب ظاهر معلن.

     وسياسياً الكثير يخالف نهج المملكة، فما حققته تجربة الملك عبد العزيز لم يحققه لا داعية ولا مفكر ولا سياسي ولا حزب ولا دولة، لكن أغلب الحركات الإسلامية لا تحب عبد العزيز كملك ولا تحب علماء السعودية، وهذه حقيقة ندركها في أغلب البلاد العربية والإسلامية، وهم لا يريدون نقد تجربة الملك عبد العزيز أو العلماء فالنقد مفتوح للجميع لكنهم يسقطونهم في الحقيقة، وهي دوافع حزبية أكثر من كونها عادلة منصفة، ولذا هم يكرهون المملكة ومؤسسها وعلماءها وهذا واضح معلن، وكلما ظهر عيب أو مشكلة قالوا ستنتهي المملكة، فدعوها تنتهي فأنتم لا تحبونها ولستم حريصين عليها، هذه الحقيقة فلم الكذب؟! واليوم يقال: أن المملكة تذهب للعلمانية، لا بأس، لكنها لم تكن في عرفكم إسلامية -أو من قبل بعضكم- كفروها وشتموا علماءها، وأنكروا عليها منذ أمد بعيد أكثر أفعالها، فلم الكذب أيضاً؟! زلة علماءها خطيئة عندكم وتتربصون بهم الخطأ منذ أكثر من خمسين سنة وتشتمونهم في مجالسكم الخاصة، وعظمتم من هو دونهم، وجعلتم مشاكل الأمة العربية والإسلامية بسبب سياسة المملكة، والصدق جميل لم تكونوا تحبون المملكة وتتمنون سقوطها وزوالها منذ زمان؛ وتتمنون أن تتحول إلى دول متعددة، ونسمعها كثيراً في وسائل إعلامهم منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، فعندما يطالبنا الله بعدم نسيان الفضل بين الزوج وزوجه فهو في غيرهم أكثر مراداً، وهو سبحانه القائل: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) [الأعراف: 85]. والله من وراء   القصد ..