طوال اكثر من قرن من الزمان على تأسيس الدولة العراقية الحديثة , عانى المواطن ولا زال يعاني من الاوضاع المعيشية السيئة والاقتصادية المتردية في البلد ؛ على الرغم من توفر الثروات الطبيعية والموارد البشرية والموقع الاستراتيجي , والسبب واضح وضوح الشمس في رائعة النهار ؛ الا وهو التدخل الاجنبي السافر في الشؤون العراقية , وتسليط العملاء على الامة العراقية , وغياب الفلسفة الاقتصادية الوطنية الناجعة .
فما من كاسب او كادح او موظف نزيه او عسكري او عامل او فلاح او تاجر او سائق ... الخ ؛ الا وهو يعاني الامرين ؛ جراء القوانين البيروقراطية والاجراءات الحكومية الروتينية والظالمة –احيانا- والتصرفات والسلوكيات السلبية لرجال الامن والقانون والشرطة والموظفين الفاسدين حيال المواطنين ؛ وقد عانى ( سواق التكسي ) من مختلف المشاكل والاجراءات والقوانين والصعوبات في مهنتهم , فهم كغيرهم من العراقيين يركضون ركض الوحوش في البرية من أجل توفير لقمة العيش والحياة الكريمة لهم ولعوائلهم , فالكل ضدهم , ولا أحد يأبه بهم , وكأنهم اعداء وليسوا مواطنين اصلاء .
يخرج بعض ( السواق ) وهم لا يملكون ثمن تعبئة السيارة بالبنزين ( تفويلة السيارة) , والبعض الاخر يخرج للعمل وقلبه مليء بالهموم وعقله لا يكف عن التفكير في كيفية تسديد اجور الكهرباء ( السحب والوطنية ) والماء والانترنت , او توفير الغذاء والدواء , او دفع ثمن اسطوانات الغاز ... الخ ؛ فضلا عن مصاريف المهنة نفسها , ففي الوقت الذي يطلب فيه السائق من مهنته الرزق والنقود , كي يستطيع تلبية متطلبات الحياة له ولأسرته ؛ واذا به يصدم من مصاريف المهنة نفسها ؛ اذ تطالبه وزارة النقل او العصابات التي تسيطر على ( الكراجات) بالكراجية - دفع اموال مقابل الدخول الى الكراج - , وكذلك دفع رسوم وضرائب لهيئة النقل الخاص , فضلا عن اجور و رسوم اجراءات اخراج السنوية واجازة السوق او تحويل السيارة ؛ فقد يقف المواطن وتحت اشعة الشمس اللاهبة وفي ايام القيض امام شباك موظف نقل ملكية السيارات ساعة وساعتين واحيانا اربع ساعات في قاطع مرور الحسينية وغيره , الموظف ينعم بالتبريد والمواطن يتلوى من الحر والعرق ..., بل ان البعض يدفع ثمن الخط , فاذا اراد سائق التكسي مثلا الانطلاق من كراج المشتل الى كراج كربلاء , عليه ان يشتري الخط كمن يدفع ( سرقفلية) لصاحب العمارة بالإضافة الى ايجار المحل , والا لا يسمحون له بالارتزاق , ناهيك عن مضايقات رجال الشرطة والداخلية والدفاع بحجة الاجراءات الامنية , حتى يصل الامر ببعض هؤلاء بان يعتدوا على السائق المسكين ( المكرود) ويقوموا بضرب سيارته بقوة , مما يلحق بها اضرار فادحة وخسائر مادية جسيمة ... الخ ؛ ومطاردة رجال المرور لهم , واصطياد رجال المرور بالماء العكر , فهم يستغلون سلطتهم التنفيذية والقوانين الهلامية والجائرة – احيانا - , ويصبون جام غضبهم على ( سواق التكسي وغيرهم ) , بالإضافة الى جهل اغلب (سواق التكسي) بالقوانين والاشارات والعلامات المرورية وطرق السير ؛ مما يؤدي الى تسجيل الغرامات الفادحة بحقهم , فلا تستغرب عندما تسمع بان احد (سواق) سيارة ( السايبا) قد ضاق ذرعا بهذه الاجراءات القاسية والحياة البائسة , فقرر بيع سيارته وترك مهنة ( سائق سيارة الاجرة ) , واذا به يصدم بالرسوم والضرائب والغرامات , فعندما باع سيارته ب 5 ملايين , وجد نفسه مطالب بدفع 2700000 للحكومة ...!!
والذي يزيد الامر سوءا ان بعض سيارات الاجرة غالية الثمن , وقد اصبح سوق سيارات الاجرة ضعيفا بسبب منافسة السيارات الخصوصية وعجلات التك تك حيث يفضل البعض التنقل بعجلة التك تك او السيارة الخصوية , مع ارتفاع رسوم وضرائب التكسي ؛ ناهيك عن المبالغ المطلوبة من السائق لإدامة السيارة وتصليحها , من حيث تبديل الزيوت والاطارات والمواد الاحتياطية ودفع اجور (الفيتر والكهربائي وغيرهما) العامل الميكانيكي , وفي حال تعرض السيارة الى حادث مروري تذهب امواله سدى , اذ لا يوجد تأمين على السيارات في الغالب .
ومع كل هذه ( الفواتير ) لا يحظى السائق مقابل كل تلك الرسوم والضرائب والغرامات بأية خدمات تليق به , اذ يعاني العراقيون و( السواق ) من تردي البنى التحتية وخراب الشوارع العامة ؛ وطالما سقط الناس ضحايا في الحفر و( المنهولات )المفتوحة وسط الشوارع المهملة ؛ حتى الاعمار البسيط والمشاريع الشكلية تشكل ضغطا نفسيا على المواطن والسائق بسبب قطع الطرق وارباك سير السيارات والعمل بالنهار, وكثرة انتشار السيطرات وقطع الشوارع واثناء ذروة الدوام الرسمي ؛ مما يتسبب بحدوث الازدحامات والاختناقات المرورية التي تؤخر السائق عن وجهته وتؤدي الى نفاد الوقود , فمن الطبيعي ان يستغرق السائق ساعتين من وقته لمجرد الذهاب من مدينة الصدر الى الكاظمية احيانا وبأجرة لا تزيد عن 8 الاف دينار فقط ... ؛ فضلا عن الاجراءات الامنية المشددة عند نقاط التفتيش العسكرية المنتشرة في عموم المدن ، و المبالغ فيها والتي تؤثر على عمل ( سواق التكسي ) وبطبيعة الحال على العائد المالي الذي يحصل عليه سائق سيارة الاجرة , والذي يتذبذب في مستواه بين يوم وآخر نتيجة لذلك ... ؛ بالإضافة الى ان هذه المهنة تتأثر بالأنواء الجوية ففي فصل الشتاء ومع هطول الأمطار وانحسار حركة المارة ، و عندما تغرق الشوارع بالمياه لا يستطيع السائق العمل , علما ان رزقه يعتمد على خروجه للعمل بصورة يومية .
ويدفع ( السواق كراجية ) والكراج وسخ لا نظافة لا انارة لا تخطيط لا مقاعد استراحة ؛ ولا توجد شرطة تحمي الكراج او تفتش الركاب ؛ اذ طالما تورط سائقي سيارات الاجرة بالركاب الذين يحملون معهم المخدرات ... , ويدفعون اجور للهيئة و اجور خط وجباية وعلامة ... ؛ وسواق السيارات الخصوصية يزاحموهم ويتنافسون معهم ويطلبون من الركاب اجور نقل أقل منهم ... , اذ لا يدخل بعض الركاب للكراج و يركبون مع سائق السيارة الخصوصية , واغلب (سواق ) السيارات الخصوصية هم من الموظفين ؛ وعندما يشتكي (سواق التكسي ) من هذه الظاهرة للجهات المختصة لحماية مهنتهم من المتطفلين باعتبار انهم لا يملكون مصدرا للرزق او راتبا من الحكومة ؛ لا يأبه بهم أحد ولا يضعون حدا لهذه المشاكل التي يعاني منها سائقي سيارات الاجرة ؛ وقد يذهب سائق سيارة الاجرة الى البصرة ويرجع فارغا , بسبب منافسة (سواق) السيارات الخصوصية له ... ؛ بالإضافة الى كثرة اعداد العاملين بهذه المهنة؛ اذ إن العديد من العاطلين عن العمل وبمختلف الاعمار يتجهون إليها، خصوصاً أولئك الذين لا يحملون شهادة دراسية أو مؤهلات خاصة، فضلا عن ذلك، فإن هذه المهنة غير محكومة بضوابط أو قوانين تحدد من الذي يعمل فيها او الذي لا يعمل ... .
تصور عزيزي القارئ ان احد ضباط شرطة المرور في الناصرية وبتسريب صوتي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ؛ يأمر رجال المرور بضرورة رفع الغرافات وزيادة الاعداد ؛ فلا يقبل بأقل من 15 غرامة يوميا ... وهذا نص كلامه : (( الغرامات بأمر المدير , ما مقبولة عشر غرامات ؛ اقل شيء يريد منك 15 غرامة يومية ... موقف يوميه يعبر للمدير ... الغرامات مو شيء ؛ وجاي يؤكدون علينه من بغداد و تجي تعليمات من بغداد اقل شيء 15 وبغداد تحاسب ...!! )) و وفقا للإحصائيات والارقام التي ترصد حجم المخالفات والغرامات المرورية في احدى المحافظات ولعلها كربلاء , ولمدة 15 يوم فقط , كانت حصيلة تلك الغرامات : (3مليارات و440مليون و250الف ) ومع كل هذا البلاء يعمد رجال الداخلية احيانا الى تكسير السيارات وضربها بحجة فرض القانون ومحاسبة المخالفين ... ؛ والعجيب ان رجل القانون الذي ينبغي ان يكون مثالا للعدالة والامن والامان واحتراما لحقوق الانسان ونبذ العنف والقسوة , نراه يقدم على اقتلاع ارقام السيارات , مع العلم ان القانون يمنع ذلك منعا باتا , بينما يقدم هؤلاء الذين يدعون تمثيل القانون على مخالفة القانون ؛ ولعل قدوتهم في ذلك السياسي والبرلماني الذي يسير في الشارع عكس السير (رون سايد) ...!!
ومن الواضح ان سائق ( التكسي ) يعد مرآة عاكسة لمجتمع المدينة وما يدور فيها، فالدول المتحضرة تعده سمة مميزة من سمات المدن الكبيرة ؛ لذا فهي تحرص اشد الحرص على ان يكون سائق ( التكسي ) نموذجا مميزا ؛ وعليه يجب على الحكومات العراقية الاعتناء بهذا الملف والاهتمام (بالسواق ) بأصحاب سيارات الاجرة ؛ من خلال سن القوانين والقرارات التي تصب في صالح سائق سيارة الاجرة , وتسهيل الاجراءات والمعاملات التي تتعلق بهم , والتأمين على سياراتهم , وتسهيل تقديم القروض الحكومية الميسرة لهم , وتوفير راتب شهري كضمان معيشي عند بلوغ سن التقاعد أو ترك العمل بسبب مرض مزمن أو عجز، حيث ان معظم ( سواق التكسي ) ليس لديهم تأمين اجتماعي ويعتمدون في حياتهم على جمع المال المتفاوت الدخل من خلال حصاد القوت اليومي، علما أن حياة السائق قد تكون في خطر بسبب عدم إدراجهم ضمن التأمين الاجتماعي، أو توفير المساعدات المالية لهم، فلابد من إصدار قوانين تحمي ( السواق ) من الفقر والعوز، وتنظم مزاولة المهنة، وتحمي قطاع المواصلات من تدخل الأفراد غير المتخصصين في مهنة ( التكسي ) فيما يتعلق بالتأمين الاجتماعي وتخصيص مبلغ لسن التقاعد كدعم من الدولة لهم، او توفير ضمانات معيشية لأسرة السائق في حال الوفاة أو العجز عن العمل، و بدعم أصحاب سيارات الأجرة من قبل شركات الدعاية والإعلان وعدم احتكار الإعلانات او تخصيصها لشركات معينة، حيث يحتاج سائق سيارة الأجرة لتوفير الإعلانات التجارية كزيادة دخل في رزقه، لان سائق (التكسي) يتنقل بين معظم الشوارع وازقة المدينة بسيارته، مما يجعل السائق قادر على نشر الإعلان التجاري ؛ والسماح لهم بالدخول الى المطارات والمنافذ الحدودية , وتقليل اسعار الوقود لهم , وانشاء شركات و ورش عامة مدعومة من الحكومة لصيانة سيارات الاجرة , وتحديد الوان وانواع واعداد سيارات الاجرة بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن وسائق سيارة الاجرة , و بناء محطات رئيسية كنقاط تجمع بها مواقف لسيارات الأجرة تحتوي هذه المحطات على غرف للراحة ودورات مياه ؛ وبضرورة تخصيص مقر لجمعية سواق الأجرة لأجل عقد الاجتماعات والتواصل مع الجهات الرسمية وإقامة ورشات عمل تخص شؤون المهنة , و الدورات التدريبية المتمثلة في فن التعامل والتحدث بلباقة مع الزبائن والسياح ... الخ .