"لقراءة الموضوع مُلوّناً وأكثر تنسيقاً اضغط على 👈 الرابط"
لا زلت أتذكر ذلك الموقف -وكأنه حدث بالأمس- عند بداية السنة الدراسية الأولى في الكُليّة عندما التفت خالد نحو أحمد متحدثاً ببهجة وسرور "تدري من بين كل طلاب الفصل انت أكثر واحد أحبه لأنك *وسخ* مثلي" اختتم ذلك ضاحكاً معه!
خالد -منذ بداية أيام الدراسة- اشتهر بقذارة اللسان وسوء التصرف وتباعد الكثير عنه، لكن يبدو أنه قد وجد ضالته في ذلك اليوم!
كنت حينها أبحث عن مجموعةٍ أُصاحبُها فذهبت إلى هذه المجموعة وتلك ولم أجد من أرتاح معه حتى استغرق مني ذلك سنة كاملة إلى أن كوّنت مجموعة جديدة أرتاح معها وترتاح معي، كان الوضع مناسبا جدا لي في الحقيقية لتشابه أفعالنا وخُلقنا وتوجهاتنا.
نحن البشر في الحقيقة نحب التشابه ومن يشابهنا، هو سلوكٌ فطري وُلدنا به، وبسببه ستجد الإنسان يبحث دائما في أي مرحلة جديدة من حياته -دخول الجامعة أو بداية وظيفة جديدة- عمن يُشابهه في الطبع والأفكار والتوجهات.
إدراك ما سبق يقودنا لفهم لماذا من الصعب أن نتقبل المُخالف لنا -مثلما حدث معي، فصاحبت الكثير من المجموعات على مدار سنة كاملة ولم أتواءم معها جميعها حتى اضررت لتكوين مجموعة جديدة- وأيضاً يُفهمنا لماذا أصحاب الخلق الرفيع يُماشون من يماثلهم، ونفس الأمر ينطبق على مصاحبة الفاسد للفاسد والمتدين للمتدين وكذلك محبة من يشاركنا العرق نفسه وكره من يخالفنا مما قد يولد العنصرية والتباغض وغيرها من الأمثلة الكثيرة والكثيرة.
مما سبق نُدرك أن التغيير السلوكي والتربوي بعد مرحلة من العمر يُصبح صعباً جداً، لكن ماذا عن الأطفال؟
الأمر مختلف إلى حد كبير هنا، فالطفل يُحِب الجميع، يحب الفضول والاستكشاف، يبهره الجديد ويُصدق الجميع، ولا يوجد مَحلٌّ للكره في قلبه!
فلا نستغرب إذاً سهولة اندماجه مع هذا أو ذاك ونجد من الصعب منعه من مصاحبة هاته المجموعة من الأطفال -في المدرسة على سبيل المثال- أو تلك المجموعة الأخرى، لأننا ببساطة نُحاول منع الطفل من أكبر غريزة يحبها ألا وهي حب الاستكشاف والتجربة وبالتأكيد سنفشل إن حاولنا محاربتها.
ما سبق يقودنا لتساؤل مهم جداً جداً، إن لم يكن الإجبار في اختيار الصحبة حلاً، إذا كيف نُقوِّم أبناءنا ونضمن اختيارهم الصحبة السليمة وثم نشأتهم لاحقاً على الخلق الرفيع والسلوك الحسن؟
هذا ما سوف نجيبه في الجزء الثاني من الموضوع بحول الله...
الجزء الثاني: توجيه الطفل نحو الصحبة الحسنة
تكلمنا في الجزء الأول من الموضوع كيف أن تقويم الإنسان يصعب بعد الكبر بسبب حب مصاحبة من يشابه في الطبع والسلوك والأخلاق، وكيف أن ذلك يقودنا لأهمية التوجيه السليم للطفل لاختيار مصاحبة الأطفال الأمثل حتى ينشأ معهم على الخلق الحسن ومن ثم يصبح تحييده عن الطريق السليم صعب، ونضمن بقاء سفينة حياته متوجهة ببوصلة الأخلاق والرفقة الحسنة نحو طريق الصلاح والخير.
ولكي يتم كل ذلك لا بد لنا من بعد تقويم الطفل سلوكيا في البيت وثم توجيهه ناحية معرفة واختيار الصحبة الحسنة واجتناب السيئة، ومما يساعدنا على ذلك هو القيام بما يلي:
١-كوني أنتِ مثالاً جيدا للصديق الحسن
الأم والأب هما أول صديقان للطفل، ومنهما يتعلم الأخلاق والسلوك الحسن، وهما القدوة وأول محبوبان للطفل نفسه ومنهما يتعلم ما يُحِب ويكره.
على سبيل المثال: لَو رُبِّيَ الطفل على الحب والحنان من أبويه ولم يتعرض للأذى منهما، فسيحب من يشابههما في التصرف ولن يُحِب من قاسٍ قلبه أو يؤذي الآخرين ولن يصاحبه.
٢-اصنعي لطفلك قدوة
علّمي طفلك صفات الطفل القدوة ولماذا أنتِ تُحبي فيه هذه الصفات دون الإشارة لطفل معين مع إظهار التعابير الطفولية والجذابة والمتحمسة لكي ترسخ في ذهن الطفل هذه الكلمات وبكلمات بسيطة يفهمها.
على سبيل المثال: قول "حمودييي حمودييي😃 تدري أنا من الطفل اللي أحبه وااااااجد😍؟ أنا أحب الطفل الحنووون المطيع اللي يساعد الناس، وأأأكيد ما أحب اللي يضرب أو يشتم، هذا أنا حييييل أزعل منه☹️".
٣-حاوريه في أسباب اختيار الصديق الحسن
بأسلوب كما في النقطة السابقة مع إبداء الحماس وحسن الإنصات له اسأليه أولاً "لماذا يجب مصاحبة الأطفال الجيدين؟"، بعد معرفة أسبابه تضيفين عليها ما نقص وتشجعيه على ما أجاب من إجابات صحيحة وتُقومي الخاطئة منها.
أسلوب الحوار هذا أفضل من التلقين المباشر بالتأكيد.
٤-علميه كيف يكون الصداقات
علميه كيف يكون لطيفا وودودا ومخلصا ووو... من الصفات الحسنة التي تجذب له الأصدقاء وتسهل مصاحبته لهم.
٥-أشركيه في الأنشطة المختلفة
من أفضل الخيارات لضمان تكون الصداقات الحسنة هو إشراك الطفل في الأنشطة المعتاد ارتيادها من قبل الأطفال ذوي التربية الحسنة.
على سبيل المثال: الأنشطة الدينية بأنواعها والأنشطة التثقيفية كنوادي القراءة وغيرها من الأنشطة.
٦-امدحي الطفل ذو الخلق الحسن أمامه
مدحك لطفل معين يجعل طفلك يصاحب ذلك الطفل فقط لاستكشاف ومعرفة لماذا أنتِ تمدحيه وتحبيه، المصاحبة الابتدائية للأطفال الجيدين هو هدفنا، لأن حدوث ذلك يعني تكون العلاقة وازدياد قوتها مع الوقت وذلك هو المطلوب.
ملاحظة: فقط امدحي له الأطفال الجيدين ولا تأمري طفلك من يصاحب، لأن ذلك قد يقود تفكيره عكساً ناحية "لماذا وُضعت الحدود للمصاحبة؟ ماذا إن خالفت وصاحبت ذلك الطفل؟ هيا لأجرب وأستكشف!"
٧-لا تأمري الطفل من لا يصاحب
من أكثر الأخطاء شيوعا قولكِ لطفلك لا تصاحب هذا أم ذاك، أمرك له قد يقوده لاستكشاف لماذا أمرتيه بذلك، وقد يقود ذلك لمعرفة تلك السلوكيات السيئة وثم تجربتها وحب من يؤديها فيقود لعكس المراد تماماً!
٨-تعرفي على من يصاحب
الجلوس اليومي مع طفلك وإظهار المتعة في الاستماع يجعل الطفل يتحدث بارتياح عن كل ما جرى له في غيابك عنه، اسأليه عن أصحابه وعن تصرفاتهم ومشاعره نحوهم ونحو سلوكياتهم وإن حدث وصاحب الجيدين منهم فامدحيه وإن صاحب ذوي الخلق السيء فأعيدي النظر فيما ذكرنا من نقاط سابقة وحاولي إبعاده عنهم بالطريقة الأنسب حسب الظروف والمعطيات، وإن لم تكوني متأكدة من سلوكيات أصدقائه، فلا مانع من دعوتهم في بيتك أو في رحلة مع العائلة كي تراقبي تصرفاتهم عن قريب.
بهذه الخطوات البسيطة وغيرها نستطيع بحول الله توجيه أطفالنا نحو الاختيار السليم للأصدقاء وضمان نشأتهم كما نريد على طريق الهداية والصلاح...
مصادر ساعدتني في كتابة الجزء الثاني:
انتهى ✍️ Twitter:@ArabCaser