يصادف يوم 4 نونبر من كل عام، ذكرى مولد شاب قروي. إبن بلدة صغيرة جغرافيا، كبيرة بعطاءها. تازارين منطقة من المغرب أو ما يسمونه المغرب العميق، ليس لعمقه طبعا ! بل لشدة فقره و صعوبة العيش فيه. فكما هو معروف فنسبة ثنائي الأكسجين تنقص كلما تعمقنا في الأعماق. ففي هذه البقعة من المغرب تكون محظوظا لو إستطعت التنفس. ستة و عشرون سنة مضت من حياتي كأنها ومضة ضوء ظهرت فجأة ثم إختفت..نعم ستة و عشرون سنة مضت بنكاستها بمشاكلها، بأتراحها و أفراحها. مرت بدون عودة..لكن نتائجها سترافقني دائما.

لنعود قليلا للماضي، و أنا في عمر الست سنوات كان حلمي أن أكون رجل أعمال، غارق بين الأموال، ليس لكي أشتري سيارة أو أجوب العالم.. فقد كان حلمي أكبر بذلك بكثير فكل ما أتمناه أنذاك أن أشتري جهاز تلفاز و أجلس أشاهد برامج الأطفال كيفما أريد في أي وقت أريد..يا له من حلم!

أنا الأن في إبن الثامنة عشرة، مقبل على الحصول على شهادة البكالوريا، شهادة تؤرق جفون الشباب. ورقة لا تتعدى قمتها دريهمات تلخص عمل عقد و سنتين من الدراسة، هذا ليس بعدل! لكنها لم تهمني بالأساس، فلطالما آمنت أن مجرد ورقة لن تستطيع حمل حلمي الذي تغير إلى مهندس! ليس طبعا حبا في الهندسة ! دخلت أسوار الجامعة، و حلمي بدأ يتقلص ! ألا ليس من المفروض أي يحدث العكس، ربما عشقي للرياضيات هي السبب حتى أصبح اللوغاريتم مبدأ من مبادئ حياتي! فقد أصبح حلمي أن أكون أستاذا! كالعادة ليس حبا في التعليم..

و أنا أقترب لسن الستة و العشرين، لم أحقق شيئا أفتخر به يوما! لكن لا بأس.. و لأن اللوغاريتم صيغة حياتي، حلمي الذي بدى صغيرا أصبح يكبر. في الحقيقة كبر عندما أردت منه أن يبقى صغير! فكل ما حدث سابقا لم يكن يوما برغبتي. كأن الحياة تلعب معي دون أن أطلب منها ذلك. ستة و عشرون سنة مرت و الحياة تفعل ما تريد. أنا فقط مجرد بيدق في رقعة الشطرنج تحركه متى أرادت و كيفما شاءت. يا لسخريتي و أنا الذي يتبجح بذكائي. نعم كل شئ حدث، لم يكن صدفة، و إنما أنا من اخترت ذلك. أنا من سمحت للحياة أن تفعل كل ذلك. فلو تملكت الشجاعة لكي أواجهها، لكنت الحاكم والمسيطر..لا تثق في أي كلمة كتبتها