يبدو أنه لم يُشفَ من جراحه تماماً، برغم نكاته وضحكاته المتواصلة، إلا إنها كانت مجرد محاولات نسيان هذا كل مافي الأمر، فإذا اختلى بنفسه غرق في صمت رهيب، وأخذ في استرجاع حزنه من جديد، يحدق أمامه في نقطة منخفضة، يعيد المشاهد والحورات، هناك في تلك النقطة كانت تستيقظ جراحه بعد أن أنعشها جيداً أكسجين الذاكريات..
حطت فراشة على أصيص الزرع خارج النافذة، تأملتها بدهشة، كانت ملونة بألوان متعددة كأنها هاربة من قوس قزح !
كل ما انتهى من عصر حزنه عاد مضرجاً باليتم، يبتسم ابتسامة باهته، يعيد سرد نكاته مراراً وتكراراً كأنما يريد اقناع نفسه بجدوى الضحك، ضحك يوماً بعد أن سرد نكتة طويلة، ضحك بقوة برغم أنها لم تكن مضحكة لتلك الدرجة، كانت ضحكة عاليه ملأت وجهه وذقنه بالدموع، بعدها عاد إلى حجرته وغاص في دموعه، لم يكن أحد يعلم ببكائه سواي، كنت أسمع نشيجه من خلف صدره الموصد، من خلف أبوابه المغلقه..
لطالما أحببت الفراشات في طفولتي، تمنيت لو أني أربي سرب فراشات في غرفتي ، لقد كانت تفزعني تلك اللوحة التي يحنطون فيها الفراشات الميتة !
لم يجرؤ أحد على الحديث عما حدث تلك الليلة، كنا كمن يكتم صرخة ويريدها أن تذوي في هدوء، لم يحاول أحدنا أن يجعل من خوفه مبرراً للكلام، كانت الأمور تبدو بخير، الجميع يجلس على طاولة الطعام، الجميع يحضر غداء الجمعة والجميع يشارك قهوة المساء، كان هو الوحيد الذي يحضر ضاحكاً ومتحمساً لإنهاء وجعٍ لا أحد يريد الإعتراف به ..