أنا هُنا كخُدعة ..!

كالحلم تأتي علاقاتي الأخرى بالعالم ..

نعم توجد هناك علاقات كثيرة بالعالم يمتص دمها البشر الذين تتحدث إليهم وجها لوجه .. أما البشر الآخرين الذين لا تتحدث إليهم إلا بكتبهم ، أو عن بعد ؛ فإنهم مقبولين نوعا ما .. يخففون حدة المتوحشين الآخرين ، ويجعلونك في خطٍّ آخر من العالم يبدو وهميا أحيانا .. ويبدو موازيا في أحيان كثيرة .. لأنهم يجعلون ارتباطك بالعالم ارتباط هويّة ووثائق وبعض مجاملات رسمية .. في الوقت الذي يجلسون فيه مقابل كل ذلك على مكتبك ، وفي بيتك .. على أريكتك المفضلة .. يمسكون بجهاز التحكم للتلفاز .. يُدِيرونك كما يُدِيرونه .. يحتلُّونك بحب .. وتفتح لهم كل الباب .. حتى تجدهم في سريرك أحيانا ! وأنت لا تعرف شيئا عنهم سوى هذا الشعور الجميل الذي جعلكَ مستغنيا عن العالم برمّته .. العالم الذي لم يعد يعنيك فيه شيء سوى المادة : مأكل ومشرب وعلاجات وفواتير !

عندما كنتُ أقرأ في السابق عن جنون البالغين ، وحدتهم وعذاباتهم ، عزلتهم وحزنهم ؛ كان الجميع يضع تفسيرا واحدا لهم : المرض النفسي .. أما أنا فقد كنتُ أكثر قربا من ذوات المتعبين .. أدركتُ أن العالم يتواطأ على جميلي الروح والعقل .. ربما لأنهم ينافسون وسامته !

يُبعدهم عنه .. ويجلدهم بمناسبة الوحدة مرارا ..

لكنّ قبح التقنية عالجَ كثيرا منهم ممن لا نسميهم الآن مرضى نفسيين !

لقد وقعوا في حضنها في صناعة عالم آخر .. يحتضنهم جيدا ويمتص من أجسادهم مع كل ضمَّةٍ بعض التعب ..

لا أعلم ماذا يقول الطبيب النفسي عن تزايد أعداد المرضى من نقصهم بعد ظاهرة تفاعُل البالغين مع التقنية ؛ لكني أرى أن أي تشنُّج منه بخصوص هذا الموضوع قد يُدخِله من قبيل المتعبين القديمين الذين لم تعالجهم التقنية بعالمها البديل !

نخبكم أيها المتعبون مع أُمّنا التقنية 🍻