و أنت تقرأ عنوان المقالة، ستظن أن كاتبها أحمق، أم يدعي الحماقة. الأمر ليس ذلك و لا ذاك. فمنذ الوهلة الأولى التي تدخل فيها أسوار الجامعة، تذرك أنك دخلت متاهة في عالم لا متناهي، ملئ بالغموض، ممزوج بين الجنون و النباهة و الإذراك الكلي للحياة.
سبع سنوات في الجامعة المغربية، و التنقل بين ثلاث كليات في مدن مختلفة بعقليات مختلفة، كانت كافية لأفهم القليل عن الحياة الجامعية. التي مهما خططت و توقعت..كانت توقعتنا مخالفة لما يحصل! فقد كانت المفاجاءات إحدى سماتها التي لا تنتهي! إحتجت سبع سنوات من حياتي لأكتب عن الجامعة مفتخرا أنني أخيرا فهمت جزءا صغيرا منها! فهمت أنه علي أن أعيش كل لحظة فيها، أن لا أتجرأ أن أواجها، فالجامعة ستصدمك لا محالة.
لا زلت أتذكر سنتي الأولى. شاب مراهق في مقتبل العمر، إبن بلدة صغيرة، لم يعهد الحياة الصاخبة بعد. يدخل من باب الجامعة، التي تضم ألاف الطلبة من كل بقع المملكة المغربية. أمر جديد كليا على حياة الشاب، كمن يرى الحياة أول مرة... ما المتوقع منه؟ يستسلم للحياة الجديدة و يعيش جنونها. أم سيصمد في وجهها.
الجامعة منحت للشاب القروي اختيارين..يا له من محظوظ! لكنها منافقة، فهي لا تؤمن بشي إسمه الديمقراطية، فالجامعة دكتاتورية كأيها الدوال العربية! فكانت سنتي الأولى كارثية..آنذاك بدأت أفهم ألا أتحدى الجامعة و إلا عشت جحيمها.
مثقلا بدرس الجامعة القاسي، الذي لم يرحم و قلة خبراتي في الحياة. حتى أنها لم تمنحني فرصة الدفاع عن نفسي، رغم أن شخصا بقوة سور الصين العظيم سينهار أمامها! لم ترحم فتى مراهق..يالها من وحش لا يعرف الرحمة..كل درس تمنحك إياه تعصر دما مقابله.. لكن الآن أصبحت أملك التجربة، قراءتي لقصة الشجرة مع عود القصب، و كيف تفاخرت الشجرة بقوتها مستهزئة بالقصب النحيل الذي لا قوة له، ليأتي إختبار الرياح لينصب ( بضم الياء) القصب ناجحا؟ ليس لقوته و إنما لمرونته و حسن تعامله مع اللحظة. فقد كان يتأرجح و يعيش اللحظة بسعادة رغم أنه في مواجهة خصم يريد أن ينهي حياته، أما الشجرة فقد كانت سعيدة بقواتها، إلا أن قوة الرياح كانت أكبر فكانت النتيجة كسر الشجرة. تماما مثل ما وقع لي. بعد سنة في الجحيم أدركت أنني كنت أحمق كليا، فلكي تعيش نعيمها يجب أن تواكبها مثلما فعل القصب تماما في صراعه مع الرياح، فقد عاش كل لحظة بسعادة.
أخيرا إستسلمت لي الجامعة، لأعيش فيها ست سنوات مفتخرا بانتصاراتي عليها. تعلمت خلالها ، أنه من الحمق مجابهاتها، عوض أن نعيش كل لحظة فيها لكي نحظى بنعيمها، الذي ليس الحصول على شهادات بقدر أن تعيش حياتك بكل مشاعرك في كل لحظة و ثانية. فقد كانت نقطة قواتها نقطة ضعفها...