وبدأت طلائع الزائرين، تزحف نحو قبلة الأحرار "كربلاء المقدسة"، والرايات تخفق على رؤوسهم، ونصبت سرادق المواكب وتهيئ أصحابها لتقديم خدماتهم، التي لم يشهد العالم لها نظيرا في حجمها ومقدار التفاني والبذل فيها، وصارت الشوارع تزدحم بمشاية الأربعين، الذين تتجاوز أعدادهم العشرين مليون زائر.

    كنا كتبنا في العام الماضي، مقالا بنفس العنوان عن أهمية الزيارة الأربعينية، وإنها أصبحت ظاهرة عالمية وليست خاصة بالعراق فقط، وان حجم الزوار من الخارج يكاد يماثل حجم الزائرين العراقيين، فهذه الزيارة يشارك فيها الكثير من أبناء الدول المجاورة، لاسيما من الجمهورية الإسلامية ودول الخليج وكذلك بقية دول العالم، الذين تغص مطارات العراق ومنافذه الحدودية بأعداد الوافدين منهم، وأنه يتعين على الدولة القيام بما يتناسب وهذه المناسبة المهمة.

    ولكن يبدو؛ أن الأوضاع كما كانت عليه في السابق، ولم تحرك الدولة ساكنا بما يتناسب وهذا الحدث العالمي، وتركت الأمر على عاتق مواكب الخدمة، متعكزة بالعجز المالي مرة والانشغال بالأوضاع السياسية المرتبكة مرة أخرى، رامية الكرة في ملعب المحافظات المعنية بالزيارة، هذه المحافظات التي تشكو غياب التخصيص من حكومة المركز، وافتقارها للخطط الموضوعة لهذه الزيارة والاستعداد بمستوى الحدث، فلا يتعدى دورها القيام بحملات بسيطة من اجل فرش الطرق بمادة السبيس !، وإنشاء طرق ترابية يمر فيها الزائرون، بعيدا عن مراكز المدن التي تزدحم بحشود الزائرين، وغياب الإمكانية لتوفير انسيابية هذه الحشود.

     فالمنافذ الحدودية مازالت على حالها منذ 14 عاما، عبارة عن خرائب لا تتوفر فيها وسائل الراحة والمرافق الصحية، وإمكانياتها بسيطة وإعداد الموظفين فيها ليس بمستوى حشود الوافدين، التي تقف منتظرة الموافقات الرسمية للدخول وأداء مناسك الزيارة، وهو الأمر الذي جعل هؤلاء الزوار يكسرون الحواجز ويقتحمون المعابر، خوفا من أن تفوتهم زيارة الأربعينية، بعد أن امضوا أياما وهم بانتظار تأشيراتهم، وهذا ما حدث في السنين السابقة، ويبدو انه لا تغيير في هذه السنة وسيحدث الأمر نفسه.

   أما الطرق الواصلة الى كربلاء، فلم يجري أي تحسن فيها وربما أصبح حالها أسوء من قبل، فعلى مر هذه السنين لم تتوفر الطرق البديلة التي لا تتقاطع مع طريق الزوار، بل ربما إن اغلبها سيتم قطعه ومنع المرور فيه بحجة الدواعي الأمنية، ليضطر الزائر بعدها الى أن يسلك طرقا ترابية ضيقة، ويعود عشرات الكيلومترات مرة أخرى، من اجل البحث عن سيارة تعود به الى دياره وهو لا يعلم أين يجدها!، فكل السنين هذه، لم تتوفر ساحة واحدة أو كراج للسيارات، يمكن الزائر من العودة براحة ويسر.

   وكما جرت العادة؛ فستخرج علينا وزارات الدولة ببيانات ومؤتمرات صحفية، معلنة مشاركتها في تقديم الخدمات للزوار، وهو لا يتعدى توفير أعداد من سيارات الحمل المكشوفة لنقل الزائرين، والتي يتحتم على الزائر المسير إليها لمسافة عشر كيلومترات، فكل جهدهم ينصب في أسبوع واحد ويتم تناسي الزيارة لمدة سنة كاملة، فطالما سمعنا عن الطرق السريعة التي ستنجز وعن محطات القطارات التي ستشيد، لكنها لا تعدو عن تصريح صحفي أو بيان كتب في وقت الزيارة، وأصبح طي النسيان.

  سنين مرت؛ وحجم تعاملنا مع هذه الزيارة المليونية وهذا التجمع العالمي الكبير، لم يصل مستوى الاهتمام ببرنامج انتخابي او مهرجان جماهيري، ولم يصل مستوى تعاملنا معها الى مستوى التعامل مع مارثون، او بطولة رياضية لكرة القدم في احدي دول الجوار، وكيف سيكون حجم الاستعداد لو كانت هذه الظاهرة في إحدى الدول الأوربية، ولكن يبدو إن الجميع لم يدرك أن الزيارة الأربعينية أصبحت ظاهرة عالمية كبرى، وان تعاملنا معها يجب ان يكون بمستوى الحدث، وان نتخلص من الطرق البائسة التي نتعامل بها الآن.

   فالزيارة الأربعينية أضخم المسيرات الدينية والسياسية في العالم، وهي محفل عالمي وثقافي تتلاقى فيه الشعوب والثقافات، وهي ليست مختصة بالشيعة فقط بل تضم جميع الأديان والمذاهب والطوائف، لان الحسين (ع) خرج من اجل الإنسانية جمعاء، وهذا ما لا يستطيع ولن يستطيع القيام به قصر الجمهورية