بقلم / ميلاد عمر المزوغي


بعيد سقوط سرت بأيام قليلة اعلن المجلس الانتقالي عن اكتمال تحرير ليبيا، تعتبر المدينة الاكثر تضررا جراء تدخل حلف الاطلسي وبعض البلدان العربية التابعة له،حيث تم دك المدينة لأيام بمختلف انواع الاسلحة الفتاكة من الجو والبحر،اما مهمة التدمير الممنهج البرية فقد تكفلت بها كتائب الثوار،مئات القتلى ،الاشلاء متناثرة في كل مكان،اضافة الى المقابر الجماعية التي اقامتها القوى الغازية, في محاولة منها لإخفاء جرائمها، التي تنم عن مدى الحقد المقدس المتوطن في عقولها.

ضمن منطق الغالب والمغلوب، سيطر المستنصرون على مقاليد الامور في المدينة،فعاثوا فيها فسادا، ازدادت الاوضاع سوءا،لم تعمل الحكومات المتعاقبة على فك اسر المدينة من براثنهم،المؤكد ان تهور الميليشيات وفشلها في الاستيلاء على الهلال النفطي هو الذي سرّع من مغادرة هؤلاء المدينة، خاصة بعد ان اصبحوا مهددين في عقر دارهم ،فآثروا الخروج من سرت وأوعزوا الى بني جلدتهم(الدواعش) للسيطرة عليها.

الذي لا يختلف عليه اثنان ان الدواعش والمليشيات المؤدلجة يعتبران وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يسعيان الى تطبيق شرع (الرب) وان اختلفت الاساليب،فالدواعش يصدرون الاحكام ويسرعون في تنفيذها،بينما الاسلامويون يتفننون في اساليب التعذيب الجسدي والنفسي, سجونهم السرية مليئة بكل من يخالفهم الراي، ولم تجر لهم محاكمات عادلة،ضاربين بالأعراف والمواثيق الدولية بخصوص الاسرى عرض الحائط،كأنما الدنيا خلقت لهم وحدهم، وما عداهم سخّروا لخدمتهم ليس الا.

مع ازدياد الضغوط على اخوانهم في بنغازي،حيث لم تفلح كافة الامدادات في ثني الجيش عن مواصلة تحركه لتحرير بنغازي،وفي ظل سيطرة الجيش على منابع وموانئ النفط،ولقطع الطريق على الجيش لتحرير سرت،لم يعد امام هؤلاء إلا الاعلان عن البدء في تحرير المدينة من الدواعش والتي ظلوا ولأشهر عدة ينكرون وجودها بالمدينة.
التحرير الاول للمدينة كان من النظام وأركانه العام 2011 وقد كلف اهلها الكثير،لكن يبدو ان ذلك لم يرق للميليشيات، فقرروا بعد خمس سنوات من الجور والظلم اعادة تحريرها تدمير ما بقي من مباني,وقتل وتهجير من تشبثوا بمدينتهم رغم الظروف القاهرة بمعنى اخلاء المدينة من البشر ومظاهر التمدن،خمسة اشهر ونيف والمدينة تتلقى اعنف الضربات الجوية من امريكا اضافة الى استخدام مختلف الاسلحة البرية التي توفرت للميليشيات، في كل يوم يعلنون عن قرب تحريرها ويمعنون في تدميرها,لقد غادرها معظم سكانها ,التحقوا بركب النازحين من ابناء تاورغاء، الفاعل واحد وان تعددت المسميات, وأصبح الليبيون يتلقون المساعدات(السلال) الغذائية من مختلف دول العالم , وبالأخص التي ساهمت في ايصال الليبيين الى هذه الحالة، يمنّون عليهم ببضعة ملايين من الدولارات،بعد ان كانت ليبيا تجزل العطاء للشعوب الاخرى الفقيرة.

المناظر المروعة التي نشاهدها عبر الفضائيات،تثبت وبما لا يدع مجالا للشك ان ميليشيات المجلس الرئاسي,تقوم بواجبها على اكمل وجه، تكالب المعتدين من عرب وعجم و"ليبيين" على المدينة, يدل على عظمة سكانها,سرت اليوم مدينة اشباح,تكاد تكون خالية من البشر،مبانيها قد سويت بالأرض، لتشهد على مدى همجيتهم. حتما ستنهض المدينة من تحت الركام،فأحفاد مجاهدي القرضابية لن يرضوا بالضيم والذل والهوان.