منذ قرن مضى, وبعيد نزول قواتها البر الليبي ,عملت ايطاليا على نفي آلاف الليبيين من مختلف الاعمار الى جزر غير ماهولة,كل ذنبهم انهم عارضوا الغزو,ذاقو اصناف العذاب,منهم من قضى نحبه وآخرون كتبت لهم العودة الى تراب الوطن,ليشهدوا خروج آلاف الغزاة وابنائهم, وهم يغادرون ارض الوطن وقد تركوا خلفهم مزارع  كان يشحن منتوجها الى ايطاليا, فشل حلمهم بان تكون ليبيا الشاطئ الرابع لدولتهم,وبذلك تحققت سيطرة الدولة على كامل ترابها ,وحرية القرار السياسي وعدم التبعية.

المؤكد ان بعض الليبيين الذي ملّكتهم الدولة تلك الاراضي(المستردة) لم يحسنوا استغلالها زراعيا ,ما جعل بعض "الليبيين" يتمنون لو ان الدولة لم تقم بإجلاء المغتصبين ,حفاظا على الاراضي الزراعية واستمرار انتاجها, علها تحقق اكتفاء ذاتيا وخاصة زيت الزيتون, وهؤلاء (المتفرنجون) لا يجدون غضاضة في بقاء الطليان ومنحهم الجنسية الليبية بعد حين, لتكون ليبيا متعددة الاعراق والأديان شان بقية الدول!.

لم يكن يدر بخلد احفاد المنفيين والمجاهدين يوما, ان تتم استباحة الاراضي الليبية ثانية من قبل الدول الاستعمارية,وبتواطؤ مع بعض ابناء الوطن لتدمير ماتم بناءه طوال خمسة عقود,بل وصل الامر بالمستعمر وأعوانه الى نفي (التهجير القسري) العديد من الليبيين,حيث بلغ عددهم في الشتات (دول الجوار) اكثر من مليون نسمة, كما ان بعض المدن اصبحت خاوية على عروشها, حيث هجرها ساكنيها بفعل اعمال العنف,اشبه ما يكون تطهيرا عرقيا. 

الليبيون بالداخل يعتبرون انفسهم منفيون,فهم يعيشون حياة قاسية,التنقل بين ارجاء الوطن محفوف بالمخاطر بفعل اعمال السلب والنهب والخطف,الخدمات الصحية شبه معدومة,الدولة بحكوماتها الثلاث تتلقى المساعدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع من بعض الدول,بعد ان اهدر المسؤولين على مدى الخمس سنوات الماضية الاموال الطائلة.

ربما الحدث الابرز هو قيام بعض من سكان العاصمة في ذكرى (المنفيين-26 اكتوبر)بالتظاهر في ساحة الشهداء, تعبيرا عن مدى تردي الاوضاع الامنية والاقتصادية,حيث لم يعد المواطن قادرا على تحمل اعباء المعيشة بسبب الارتفاع الفاحش لأسعار المواد الاساسية,اضافة الى النقص الحاد في السيولة النقدية,حيث عجزت مؤسسات الدولية (البنك المركزي–وزارة المالية) عن ادارة الازمة المتفاقمة,والتلاسن الحاد بين رئاسي الوفاق ومحافظ البنك المركزي,حيث يلقي كل منهما باللائمة على الاخر.

هل ستكون تظاهرة اليوم بالعاصمة الانطلاقة نحو المطالبة بتحسين الاوضاع المعيشية والأمنية, السكوت لم يعد يجدي,البلد مستباح,بفعل الغرب وأعوانه لازلنا تحت الفصل السابع, يريدون فرض المجلس الرئاسي بالقوة رغم فشله في كل شيء,لم يسع المجلس الى تبديد مخاوف النواب والحصول على الثقة,بل اعتبر نفسه وصيا شرعيا على الشعب,لم يستطع تامين العاصمة حيث يتواجد, وهي تحتل المرتبة الاولى في عدد الجرائم المختلفة محليا,بفعل الميليشيات المؤدلجة والجهوية التي تتخذ منها مقرات لها,المجلس الرئاسي وبعد ان جاب مختلف مدن العالم, قرر اخيرا الاجتماع في غدامس لتشكيل حكومة وفاق ثالثة وعلى الاغلب انها لن تكون" ثابتة" ,الارجح ان مجلس النواب لن يصوت على التشكيلة الحكومية المرتقبة. ترى هل ستكون غدامس التي كانت الشاهد على نشاة الاتفاق السياسي مقبرة له, وبذلك تطوى صفحة سوداء من حياة الليبيين؟[email protected]

ميلاد عمر المزوغي