اجتاحت بعض الدول العربية عاصفة هوجاء أسقطت من في السلطة، من حركوا تلك العاصفة قالوا بان الجماهير مسحوقة من قبل حكامها الذين تربعوا على السلطة لعقود لم يقيموا العدل ولا بناء دول مدنية، لم يحترموا الرأي الاخر فزج بالعديد من اصحاب الاراء المخالفة في السجون، وفر من استطاع الى خارج الوطن مكونين تنظيمات تهدف الى اسقاط الانظمة التي يقولون عنها بأنها غير ديمقراطية، ساندهم الغرب في ذلك، بعض الدول افلح بها التغيير السلمي للسلطة او لنقل تم التغيير بأقل الخسائر. بعضها لا يزال يعاني رغم مرور اكثر من ثلاث سنوات عمال العنف فتحصد الارواح وتشل طاقات البلد.
تولّى من قدموا انفسهم للجماهير بأنهم ثوار، السلطة، ازاحوا كل من عمل في مؤسسات الحكم السابقة بحجة انهم ازلام او فلول للأنظمة السابقة، فكان العزل وظيفيا وليس سلوكيا، ابعدت بعض القيادات الفاعلة التي عملت لأجل الوطن، عمل هؤلاء الثوار وبحجة الشرعية الثورية على تنفيذ ما يحلو لهم دونما حسيب او رقيب امسكوا بالسلطات الثلاث، انفقوا الاموال في غير اوجه الصرف، لم يقوموا بأية مشاريع وان كانت بسيطة ولا تحتاج الى شركات اجنبية لتنفيذها، كي يشعر المواطن العادي ان هناك تغييرا نحو الافضل، اودعوا اموال الشعب حساباتهم الشخصية، اثروا في فترة وجيزة جدا، انهم يسارعون الزمن، يعلمون جيدا بان الشعب سيفيق قريبا من غفوته، افلست خزائن تلك الدول ولم يعد امامهم إلا الاقتراض، فكان التمديد لأنفسهم علّهم يسترون ما اقدموا عليه من جرائم اختلاس.
اقدموا على اسقاط الانظمة ليس لأجل الشعوب المقهورة كما يقولون بل ان العملية لا تعدوا كونها اعمال قمار، الدماء التي سالت تم التعويض عنها بأموال طائلة من خزينة الشعب، جعلوا من اصحاب تلك الدماء وكأنهم مرتزقة، ازالوا عنهم صفة الشهادة، الدم المسال فعلا لم يذهب هباء، بل قبض الثمن وبأعلى الاسوام، ما لم تدفعه امريكا لأولئك المرتزقة الذين زجت بهم في الصفوف المتقدمة في حروبها المتعددة، لنهب خيرات الشعوب، وأقصى امنية لأولئك المرتزقة هي الحصول على الاقامة والعمل بأمريكا لمن بقي منهم على قيد الحياة.
الثوار الذين كتبت لهم الحياة او لنقل الذين لم يشتركوا في المعارك وجها لوجه، بل كانوا يشرفون على سير المعارك، لم ينسوا نصيبهم من الدنيا، ارادوا تامين مستقبلهم ومستقبل ابنائهم وأحفادهم الى يوم قيام الساعة فكان نصيبهم اكثر بكثير مما خصص للقتلى، فلا يستوي الحاضرون والغائبون، الحاضرون حققوا النصر وكل شيء يهون في سبيل تحقيق طموحاتهم اللا متناهية، فتحت لهم الدنيا ابوابها الواسعة، القتلى لهم جنة الاخرة اما الاحياء فيريدون جنة في الدنيا، لم لا وقد انجزوا ما لم يقو اعداء الوطن على فعله، ارسلوا ابناءهم للدراسة بالخارج، وعملا بمقولة الرفاق وأبناء الرفاق التي كانت سائدة ابان النظام السابق، قام هؤلاء الثوار بإيفاد ابناء اصحابهم وعشائرهم للدراسة بالخارج (ما حد خير من حد)، اما اولئك الذين لا رغبة لهم في الدراسة فقد قرروا العمل بالسفارات الليبية بالخارج فأصبحت السفارات تعج بالموظفين، انها ولا شك فرصة العمر قبل ان يستفيق الشعب.
لقد انكشف المستور، ثوار الامس تجار اليوم، كل شيء بمقابل، الخاسر الوحيد هو الشعب، يعلن هؤلاء بأنهم يريدون اقامة دولة مدنية متحضرة تؤمن بحقوق الانسان، لكنهم يسعون في الخفاء الى اقامة دولة كهنوتية بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الاسلامي السمح، تكفير العامة ومن ثم قطع الرؤوس وبقر البطون تندى لها جباه الجاهلية الاولى لو قدر لأصحابها العيش في هذا الزمن،
بفعل من ركبوا موجة التغيير في بلاد ما اطلق عليه الربيع العربي، فإننا نعيش عصور ما قبل التاريخ حقيقة لا خيالا، فقد يكون احدنا في لحظة ما احدى تلك الشخصيات دونما حاجة الى اكسسوارات او تجميل، فلا داعي لصرف الاموال الطائلة لتجسيد شخصيات تلك العصور، الفضل كل الفضل يرجع لثوارنا الذين اجادوا ظاهرة الغش والاختفاء، انهم يتاجرون بأموالنا، بل بدمائنا وتلك اصعب انواع التجارة، وللتامين على حياتهم فلهم اخذ ما يشاءون حلالا زلالا، عن طيب نفس منا وتراض.
ميلاد عمر المزوغي