قد ترى رجلاً أسمر اللون بأحد الاحياء , يتجول مساءً وهو يغني وبيده مشروب ما , تقترب اكثر فتشتم انبعاث رائحة الخمر منه , تتجازه وتمضي لتخلد الى النوم,
في مساء اليوم التالي او أي مساءٍ يليه , ترى رجلاً اسمر في ذات الحي يغني بصوت عالي , تقول لنفسك ان هذا الحي مليئ بالسكارى ليلا .
تحكي لمن حولك هذه المواقف لتنقل إليهم وجهة نظرك بذلك الحي , تنبههم على ضرورة أخد الحيطة عند مرورهم من هناك , تفعل ذلك من قبيل خوفك عليهم "رغم كونك لم تتأكد من كون الرجل الاخر مخمور فعلا في المرة الثانية" , وهم لذات الامر يبدؤون بتنبيه اقاربهم ومن حولهم "رغم كونهم لم يرَوْ أي شيءٍ بأعينهم".
الإنطباعات السائدة والصور النمطية تبدأ هكذا , بتجارب شخصية عابرة وغير قابلة للإحصاء أو القياس , وهي بالتالي تحتفظ بخصوصيتها ولا تحتمل التعميم , الا أننا بنو البشر نأبى ذلك , فما تمليه علينا عقولنا ونصدقه , نعتبره فرضاً وحقيقةً غير قابلة للنقض نبشر بها ونحمل شعلتها وننشر غايتها الى أصقاع الدنيا , ولأننا بنو البشر كذلك نصدق الرسول لذاته بلا ادنى اهتمام لفحوى رسالته , ونؤمن بالحقائق لا بسبب ثبوتها وإنما لموثوقية الوسيلة التي أذيعت تلك الحقائق من خلالها .
تأمل معي :
كم فكرة تدور برأسك حول اماكن لم يسبق لك زيارتها , أو اشخاصٍ لم يسبق لك رؤيتهم أ والاحتكاك بهم ؟
كم فكرة تدور برأسك حول جماعات او احزاب أو اتجاهات فكرية او تنظيمات او أنظمة لم تقرأ عنهم وعن مبادئهم قبلا ؟
كم فكرة تدور برأسك حول ديانات لم تمارس طقوسها او تتعرف الى المنتمين لها يوما ؟
تشكِّل عقولنا الصور النمطية من خلال توقعاتها المبنية على تجاربها او تجارب الاخرين التي تكتسبها من خلال حديثنا معهم , تستخدمها لتخويفنا او تحفيزنا او توجيهنا لإتخاذ قرارات تحافظ على احتمالات بقائنا على قيد الحياة
"يجب أن لا نصدقها دائما"