(القصة 555 من المجموعة القصصية: قصص ألعاب العباقرة)
يكتبها : السعيد ابراهيم الفقي
البحر
1
هدأت الرياح والأمواج والأنواء وازدحم الحفل بالمدعويين،
فقد أقبلت الكائنات جماعات، جماعات،
كل حشد يعرف منزله ومنتداه.
وفي أمن وسلام وأمان وصلت قوافل الخير محملة بالزاد،
من كل مالذ وطاب وشفى، وأعدت الموائد والفرش،
واصطف المستقبلون، يحيون الضيوف، كل بلغته.
وانسابت سيمفونية الأمواج في نعومة ورقة لتعم الآفاق.
وداعبت نسمائم البحر المنعشة وجوه الحضور.
وفضائيات الأقمار والنجوم والكواكب قريبة من حياض البحر،
لتنقل وتسجل كاميراتها الحدث، صوتا وصورة.0.
وشكلت رمال الشاطيء وحصياته جملا محكمة البناء محملة بالتحايا،
وبنت أشكال الفرحة الغامرة في كل المداخل والمخارج،
اكتملت الزينة، وتلاقت أعين المنظمين، تمام؟ تمام.0.
2
حلقت النوارس كالنجوم محملة بالبشرى والخبر المنتظر،
دقت طبول العز والفرح معلنة حضور البحر.0.
علت أهازيج المخلوقات،
ونشطت طيور الشاطيء،
وطارت في تشكيلات مقروءة، فواصل الجمع التصفيق والتهليل.0.
التفت الحيتان والقروش والمرجان حول كرسي الولاية والسلطان،
استعدادا لتقديم فروض الطاعة والولاء،
نيابة عن كل رعايا البحر العادل الكريم.
اهتز المشهد العتيد باللحن القديم الجديد،
وكلمات النشيد الفريد.0.
فاض البحر الينا من عطايا الاله،
وجب الحب علينا ما أطاع مولاه،
أيها العادل فينا سبح سبح باسم الله،
جئت أنعشت نادينا مرحبا سلطان المياه.
أيها العادل فينا سبح سبح باسم الله،
أيها العادل فينا سبح سبح باسم الله. 0.
3
حضر البحر رافعا يمناه، يرد التحايا، ويشكر الحضور على استقبال محياه،
شمل البحر المشهد، ليستقبل كل مخلوق على حده،
ويقوم بواجب الضيافة، ويطمئن على سعادة الحضور،
ويشرف على توزيع الهدايا والعطايا والمكافآت
والأوسمة والنياشين على أصحاب المهارات والمبدعين.0.
دوى صوت كبير الحيتان،
معلنا، كلمة سلطان الكائنات،
واذا بصوت البحر يعمر الآفاق:
بسم الله الرحمن الرحيم ..
خالق البحار والجبال والأنهار ..
طعمتم الهناء والشفاء ..
طبتم وطاب مسعاكم ..
سلمتم من العواصف والنوازل والأنواء ..
نتمنى لكم اقامة طيبة دائمة ..
والسلام على كل من سبح ومن حام ومن عام.
يغمر البحر كرسي السلطة.
يهدر صوت كبير القروش،
معلنا، استجابة البحر للرد على اسئلة الصحافة والاعلام.
هرول الصحفيون الى منصة المؤتمر الصحفي وحلقوا حولها في نظام وهدوء.0.
4
جان: (راديو وتلفزيون مملكة الجان) من أنت؟
البحر: أنا البحر، أنا اليم الخضم، أنا قلب الحياة وشهيقها وزفيرها،
وسر أسرارها، أنا جبال ووهاد وأمواج وأنهار،
أنا مد وجزر وعمق الأعماق، أنا مدد الحياة والترياق،
أنا البحر ليس لي أحشاء، أنا مدن ودول وطرق ومرافيء وحياة،
أنا قلب نابض يحرك الحياة، انا رئتان،
انا متنفس للانس والجن وكل ماخلق الرحمن،
أنا البحر ليس لي معدة ولا أمعاء، أنا فطرة تحول المطمور الى الألماس،
وسلوا صدفاتي عن الدر والياقوت وسلوا المرجان.
أنا البحر في جنباته الخير كامن فهل أدرك الفن والابداع خبراتي.0.
جان: ماهي وظيفتك في الحياة؟
البحر: حفظ ماء الحياة، حفظ الفطرة، حفظ التوازن بين حركة الكائنات،
أنا خط دفاع لرضى الله، أنا قوة الردع الخارقة لكل فعل يجلب سخط الله،
فكم طمرنا من مدن حل فيها سخط الله، وسلوا تسونامي، وسلوا سفينة التيتانك،
أنا جندي مكلف بعناية الرحمن، وسلوا حوت يونس عليه السلام.0.
سفينة: (صحفية من جريدة أعالي البحار) هل أنت مسئول؟
البحر: مسئولية تاريخية ومستقبلية الى أن يرث الله الكون، أنا جندي مكلف،
واجبي عاجل وآجل الأداء، أنا مكمل لحركة اليابسة والسماء.0.
الهدهد:: (مخبر صحفي من جريدة السليماني) ماهي حاجتك من الآخرين؟
البحر: الفهم أولا، لا أحتاج من الآخرين سوى أن يفهموني.0.
أنا أهب نفسي ما أحتاجه.0.
أنا أجتهد أن أكون مقبولا عند الآخرين، أنا أبحث عن الحب.0.
الهدهد:: ماهو أسعد أيام حياتك؟
البحر: يومان، فارقان، يوم سفين نوح عليه السلام،
حيث تصفرت أخلاقيات الخليقة،
يومها أدركت جنديتي، وفاعليتها، بين جند الحق،
يوم حملت سفينة الهواة، عمار الأرض ومستعمروها،
وبناة سفين الحق، وقد احتفلت بذكراها يوم حطام التيتانك.
ويوم موسى عليه السلام وجند فرعون، الذي أغريناه،
فأسرته المياه، وحنطته، ليكون رقما في المتاحف، وعبرة لكل الطغاة.0.
الهدهد:: لمن توجه شكرك؟
البحر: أشكر الله. آه، وهل تعرف القمر، أنا أشعر له بالامتنان،
والمد والجزر شاهدان،
أنا ممتن للجبال أوتاد الأرض وللانسان معمرها ومستعمرها،
امتناني لكل المخلوقات المتعاونة في الخير واعمار الكون.0.
يمامة: (تليفزيون الحمام) ماعلاقتك بأحداث الماضي؟
البحر: أنا متحرر من الآلام. إن ذكريات الماضي صورة جميلة.
إنني هنا. ولا أعرف الآلام.
أنا الماضي، أنا القادم، حياتي وسعادتي تأتي، تأتي بميقات.0.
يمامة: هل تعاودك ذكرياتك حلوها ومرها؟
البحر: أمنح ذكرياتي الفرصة كي تعاودني..
أترك الماضي يطفو على السطح، فأنتقي وأستمتع..
أسمح لمشاعري الدفينة أن تتدفق، فأنتعش وألامس الحياة..
أقبل كل ما كنت عليه من سمات، فهي جزء من تكويني..
وأقبل كل ما مر من أحداث، فهو تاريخي. أقبل كل نفسي.. 0.
يمامة: بما تحتفل الآن؟
البحر: أحتفل بجهدي، ونجاحاتي، أحتفل بواقعي، احتفل الآن بوجودي،
أحتفل بسعادتي! أحتفل بذكرى سفينة نوح عليه السلام.0.
طوفان: (مجلة الحدث) هل تؤمن بالموت؟
البحر: الموت لغة كتبها القدر على كل الأحياء، الموت حقيقة،
لاينكرها انس ولاجان.0.
طوفان: هل تثق في نفسك؟
البحر: أنا مؤمن بذاتي، وبما وهبني الله.0.
نوة: (راديو وتلفزيون أنواء) متى تغضب؟
البحر: أغضب حين تدنس الفطرة، وسلوا تسونامي، والتيتانك.
أغضب لغضب خالقي، أغضب لسخط الله، مجري الفلك ومرسيها.0.
نوة: كيف تغضب؟
البحر: لكل حدث حديث، ولكل فعل جزاء،
ولكل خطر على الفطرة رد فعل رادع،
ولكل كيد بشري شيطاني عقاب رباني، ونحن جند الاله،
نحن جهاز الردع القوي،
وسلوا تسونامي، وسلوا التيتانك!!! 0.
الهدهد: هل تستحق كل الخير الذي نراه؟
البحر: أنا أستحق كل الخير الذي يمكنني تخيله، وكل المتعة.
أنا أستحق ثمار انجازاتي. وفي حبي لذاتي كل الخير. أنا أستحق!
فالخير من روافدي.0.
قرش: ( تليفزيون المحيط) كيف تذكر الأيام القاسية التي مرت بها أمة البحار؟
البحر: نذكر الاختبار والبلاء والشدة مع الصبر والاحتساب والجهاد!
نذكر الدقائق الحاسمة في التحول من الضعف والاستكانة الى القوة والحركة والعزة!
نذكر قوة الدفع الخارقة في فطرة المخلوق في مواجهة العواصف والرعود والأنواء!
نذكر الحياة وكنهها وماهيتها؛ جد وجهد وكدح فعزة في الحياة أو خلود في الممات!
نذكر أمتنا؛ أمة البحار، فنحن جند أمتنا، على ثغرة من ثغورها، نعيش لنعطي،
وليس في ملتنا انتهاء، نستمر بالدفع والاحتواء، والعطاء.0.
حوت: (صحفي متجول) متى تسود أمة البحار؟ متى تعود حضارة أمة البحار؟
البحر: العوالم في حاجة لنهضتنا، نعم، وسيادتنا،
نحن لانستعجل الفجر، لكننا نوقن أنه قريب، بين أيدينا،
هو الآخر ينتظر جهدنا، ويشتاق، ويتلهف، ويترقبنا على أبواب السحر،
لافجر الا فجرنا، لاتعجل، كل شيء عند ربك بمقدار وميقات، لاتتعجل،
أنا البحر، نحن أمة استعمرت الآفاق، أمة البحار لاتغيب، ولن تغيب،
حتى تقوم الساعة، ففينا انطوى العالم الأكبر،
ونحن الكتاب المبين الذي بين أعماقه تاريخ الأولين والآخرين،
وفكرنا فينا، وفطرتنا من لدن حكيم خبير، الفجر آت، آت،
وسلوا سفينة نوح عليه السلام، تسترد عافيتها الآن.
ونحن نستعد فاخبر عنا.0.
الهدهد: ماعلاقة النجاح والفشل والشجاعة بالنصر؟
البحر: النصر هو الشجاعة في مواصلة النزاع بين الحق والباطل.
والشجاعة هي المحرك الفعلي للعزيمة، هي علامة الرجولة،
هي طريق السيادة، هي قاهرة الخوف،
هي مفتاح الحرية، هي الوقود الفعال لصناعة الحضارة.
والنصر ليس نهائيا والفشل ليس قاتلا.0.
الهدهد: هل المد والجزر عمل اختياري أم اجباري؟
البحر:عملية اختيارية مجبورون عليها حرصا على جمال الحياة وسعادتها،
وحرصا على طهر الفطرة، فنحن حراس الفطرة، نحن مكلفون من رب الكون،
والمد والجزر من وظائفنا في الكون، نحن مجبورون على اختيار الطاعة،
نحن مسيرون الى رضى بارئنا، نحن مختارون لطاعته، نحن مجبولون على طاعة الله.0.
الهدهد: هل البحر ديموقراطي؟
البحر:هذا لفظ غريب على الفطرة، لاتعريف له فيها،
نحن نعرف موازين الكفاية والحرية والعدل، هي البنود الأولى في دستور الفطرة،
أما الديموقراطية فهي من وضعيات فلاسفة البشر،
وهي ديموقراطيات وايدلوجيات وفلسفات ليس لها ثوابت ولا نهايات.0.
الهدهد:: هل تؤمن بالقدر؟
البحر: نعم، نعم نؤمن بالقدر، نحن أدوات القدر.0.
الكاتب: (خبير تنمية بشرية) هل تسجلون تاريخكم؟
البحر: تاريخنا مسجل، وكيف لايسجل تاريخنا؟
مذكراتنا مدونة في أوراق من ذهب وياقوت وألماس ومرجان،
وصدفاتنا تحتوي الفكرة والفعل والعادة والطبيعة والأمل التي رسمناها من قديم الزمان،
وأهدافنا وغايتنا العليا منقوشة في قلب الأيام وثنايا المكان.
ومذكرات البحر والبحارة يحفظها ويفهمها جندنا العاملون في أنحاء المعمورة وأعماق المياه.
الكاتب: هل لكم دستور؟
البحر: دستورنا رسائل البيان .. دستورنا رسالة النور .. دستورنا سحائب النسمات ..
دستورنا كتاب محكم من ارادة السماء ..
كتاب شامل مكتمل الوسائل والأدوات ليحكم العلائق،
ويرسي أخلاقيات الحرية ومقومات الكفاية ودعائم العدل،
ويقوم الأفعال، ويقيم الأحداث، ويضبط حركة المستجدات.
الكاتب: وهل يقوم عالمكم على التكنولوجيا والنظام؟
البحر: عالم البحار نظام محكم الأدوات والحركة،
والفكرة، والابداع، والاكتشاف، والمهارات والاختراع لبناته ووسائله لتحقيق الأهداف والغاية العليا.
شاطيء: (مراسل صحفي) هل يموت البحر؟
البحر: كل مخلوق يموت! 0.
شاطيء: مالجزر والمد؟
البحر: انفعال ايجابي عندما تنتهك حرمات الفطرة وتلوث،
يرفع البحر نفايات البشر وكدوراتهم وأدرانهم وخطاياهم،
ليلقى بها خارجا، البحر يطهر حياضه، البحر يلفظ الغثاء.0.
قبطان: هلك لنا بحار كان في حمى سلطان الماء! مامصيره؟
البحر: هذا بحار أنهكه فحيح غانيات الموانيء، وهزمه عتيق خمرها،
وجاء ينازلنا مترنحا، فلعبت به الأمواج والأنواء، وغازلت سفينه القروش والحيتان،
وتحرشت بقوارب نجاته صبيان الماء، فأهانت كرامة غاياته، وأذلت كبريائه،
وحطمت فيه كل أسباب الحياة، فأسرته المياه وتاه،
وتحطمت سفينه الى أشلاء، وطفت جيفته، فألقاه المد والجزر مع الطرح،
البحر يلفظ الغثاء، البحر صادق كالفجر، البحر لايغدر.0.
يمامة: لماذا يسمون المحيطات والبحار بسمات بشرية؟
البحر: المحيط الهادي ليس هادئا، فما أعنفه!
وما أعنف حركته! وياويل البشر اذا غضب!
البحر الأسود ليس أسودا، أتعجب!
كيف يكون البحر أسودا أو أحمرا أو أبيضا؟!
صفحة البحر من صفحة السماء!
البحر الميت ليس ميتا لكن اشتدت حدة الغضب والرفض، للرجس،
عبر العصور، ورجس يهود، خلاصة رجس البشر،
استجابة طبيعية لسخط الله. تستطيع أن تسميه البحر الغاضب.
مثلث برمودا، ليس محفلا للجن والشياطين،
انه دائرة رعب للخارجين على الفطرة.
صححوا المفاهيم!!!!
انهم ينسبون أجزائي وأعمالي وأفعالي وأسبابي وقواي وانتصاراتي
و خيراتي وقواي و رموزي و اسمائي وحضارتي الى انفسهم،
ان هي الا اسماء جغرافية مغلوطة يسمونها هم وأسلافهم لأغراض سياسية وشخصية.
هم يلعبون بمقدراتي، ويشوهون سماتي ويحرفون غاياتي
ويسرقون قدراتي وينهبون مقدراتي
ويرتكبون في حقي الجرائم مع سبق الاصرار.
هذه خيانة للتاريخ والجغرافيا والمنطق والفطرة والحق. 0.
يمامة: لمن الجزر وأشباه الجزر؟ لمن الخلجان والشطآن؟
البحر: نعم، نعم، تقصدين شبه جزيرة العرب، و ..،
جزيرة الشيطان، و ..،
جزيرة الثعبان، و ..،
جزيرة ملك الغلمان، و ..،
وأشباه جزر الغربان، و ..،
وخليج فارس أو خليج العربان، و ..،
وشط عرب وشط صين وشط يابان وسواحل الأمريكان، آه !!!
تحريف وتهريف وتزييف.
هذه حياضي وممتلكاتي،
ونسيتي أيضا ماغتصبوه من خيراتنا التي عمت أراضيهم، من بترول ومعادن،
وزيفوا أسماءها، فسموا الذهب الأسعد بالأسود،
تبا لهم، كيف يفهمون؟!!!!0.
نسمة: (فضائية نسمات) كيف تستقبل من يناجيك؟
البحر: أمتص أحزانه، وأستقبل بثه وحزنه بترياقي وبلسمي،
وأنتشله من كل أعمال الدنيا الدنية،
وأغسله من كدوراته وأدرانه بالماء والثلج والبرد،
وأنسيه كل مايكدر صفوه! 0.
نسمة: والمكلوم اذ يأتيك!
البحر: يلاقي قلبا، حانيا، حنونا،
ونبعا للصبر ينهل منه كيف يشاء،
ومخزونا للسلوى يستقي منها كما شاء،
ومدا من الأمل برحمة رب الأرض والبحار والسماء. 0.
موجة: (اذاعة ترددات) متى يظهر رضاك وتبتسم؟
البحر: أنا باسم دائما، واثق الأفعال، أمشي بالرحمة ملكا،
أبدي الرضى كلما قلت خطايا البشر ونفاياتهم. 0.
عصفورة: (منتديات عش الحكمة) بماذا يمتليء قلبك؟
البحر: أنا قلب ممتليء بالفلك بالحيتان بالأسماك، بسر الحياة، اكسير الحياة. 0.
عصفورة: ما اكسير الحياة؟
البحر:الاستمرار.
وفجأة أشار البحر الى جموع الحشد معلنا استمرار الاحتفالات والفعاليات.0.
---- انتهت ----
الاسكندرية – 5- 1- 2014