حاولت جهدي ألا اكتب عن تدخلات مشائخنا «علماء الدين» التي لم يسبق لها مثيل بالشؤون السياسية لبلداننا العربية وخاصة تلك التي تجتاحها عواصف هوجاء والتي يطلق عليها جزافا «الربيع العربي» وما هي بربيع، بل رياح تحرق كل اخضر وكافة الازهار ذات الالوان المتعددة، فلم تعد تلك الازهار قادرة على اعادة الحياة، اقتلعت في بعض الاحيان الاشجار العتيدة فأصبحت بلداننا صحراء جرداء .
لقد بلغت تدخلاتهم حدا لم يعد يطاق فبعد ان كانوا يطبلون ويزمرون لحكامنا ويفتون لهم حسب الحاجة، ينالون عطاياهم، ينعمون بخيراتهم ،ينالون رضاءهم يسبحون بحمدهم ويطلبون الرب بأن يمد في اعمارهم وذريتهم من بعدهم، فالحكام هم ظل الله في الارض، انهم ولاة امورنا وأخيارنا، ألم يدع مشائخنا في كافة خطبهم، ان ولّي امورنا اخيارنا ولا تولّى علينا اشرارنا، وبالتالي فلا يجوز الخروج على الحاكم ويعتبر الخروج عليه من المحرمات التي لا تغتفر، سينال الخارج عليهم غضب الرب وساء مصيرا.
ذلك ما عهدناه منهم طوال الاربعة عشر قرنا من نزول الرسالة المحمدية، كنا نعيش في وئام شبه تام مع الحكام نزولا عند طلب المشايخ، الذين بعثهم الرب لأن يعلموننا امور ديننا، بدورنا ندعوا لهم "المشائخ" بطول العمر لمساعدتنا في حل مشاكلنا ومنها قضايا الميراث ودروس في العبادات وغيرها من الامور.
فجأة ودون سبق اصرار وترصد تحوّل هؤلاء الى مناهضين لحكامهم وولاة نعمتهم، لم يعد الحكام ولاة امورهم كما كانوا، ما الذي تغيّر؟ الحكام هم الحكام والرعية لم تتغيّر، طالبونا بالخروج عليهم، لم يعودوا ولاة امورنا، وجبت ازاحتهم عن السلطة وبأي ثمن، وان استدعى الامر ذهاب بعض من رعايا هذه الدولة الى دولة اخرى لإسقاط حاكمها، فنحن من وجهة نظر شيوخنا، امة واحدة لا تفصلنا الحدود التي ابتدعها الغرب ولا معنى للكيانات السياسية المعترف بها دوليا، كيف ذلك؟ أ لا يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة، لقد وصلت الامور بهؤلاء الشيوخ الى استدعاء القوى الغربية لإسقاط الانظمة، وكان الشيوخ ولا يزالون يدعون الرب في خطبهم اليومية: "ان انصرنا على اعدائك اعداء الدين، المحتلين لأرض فلسطين، المغتصبين لقدسك الشريف" كيف ذلك اللهم إلا اذا كان الدعاء نصّا من النصوص الواجب قولها عند كل خطبة لا اكثر ولا اقل.
اقول: لقد سئمنا " فتاويكم" الهدامة، دعكم من التدخل في الامور السياسية فلكل مجال رجاله وللسياسة رجالاتها، لم تعد الجماهير مغفلة كما كانت، ولا ابالغ ان قلت ان هناك العديد من السوقة من هو افقه منكم ولكن لا تشعرون، ابتعدوا عن الفتاوى المسيسة التي لن تجلب إلا المزيد من سفك الدماء والتهجير المتعمد، اسعوا الى الصلح بين الاطراف المتصارعة لعل الله يغفر لكم ما اقترفته السنتكم وما تسببتم فيه من قتل انفس بريئة وتشريد اناس جعلتموهم يفترشون الارض و(يلتحفون) السماء.
ميلاد عمر المزوغي